مسعود أحمد بيت سعيد
ما زالت عملية 7 أكتوبر البطولية بحاجة إلى تتبُّع أبعادها ومدلولاتها التاريخية العميقة لجهة تطوير فعاليتها القتالية الميدانية من جانب وحماية مكتسباتها من الذبح السياسي من جانب آخر واعتقد أن إعطاء هذا البعد حيزًا من التفكير ليس سابقاً لأوانه؛ بل يتعدى سواه بحيث يتوفر لهذا الفعل النوعي إطار سياسي وتنظيمي أوضح والذي ما زال غيابه يشكل معضلة؛ سواء أخذ العمل العسكري مداه في حال استوفى شروطه وإن كانت مستبعدة في هذه اللحظة أو أستقر على قواعد اللعبة السياسية المرتقبة.
الأمور سترسو في النهاية على أرضية سياسية خاصة في ظل السعي المتواصل بحسب الكثير من المعطيات والتسريبات لإخماد نيرانها وحصر آثارها ومحاصرة مفاعيلها في رقعة جغرافية منهكة تبقيها كعملية بطولية تخلد في الذاكرة والوجدان بعيدًا عن هدفها ومبتغاها ولهذا الأمر حيثيات وأسباب؛ منها:
أولًا: المحاولات السرية الهادفة لتجنب توسيع دائرة المواجهة التي تحسب لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها حسابا دقيقا والذين اعتادوا الانفراد بالساحات بحيث يمكنهم من تكثيف قدراتهم وممارسة تفوقهم العسكري بشكل حاسم بينما استدراجهم إلى ساحة أوسع يشتت قوتهم ويضعف فعاليتهم. وفي ظل تنامي هذا البعد رغم محدوديته الراهنة سيجعل من وقف المعركة مطلبًا ملحًا وسيكون مطروحًا بجدية في الأيام المقبلة ومخطئ من يقلل من قيمة هذا الموضوع في انضاج خيارات غير مدرجة في الفترة الماضية لاتصاله في العمق باستراتيجية الانتصار الشامل.
ثانيًا: إجهاضها قبل أن تمتد تفاعلاتها وتأثيرها على الداخل الإسرائيلي بشكل أعمق.
ثالثًا: تفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية التي توحدت دون وحدة في ميدان القتال.
رابعًا: تبديد الزخم العربي والعالمي.
إنَّ مواجهة هذه الاحتمالات وإبقاءها ماثلة على الدوام قضية تستحق الانتباه، ولا شك أن ربط النضال الوطني ببعده القومي يعطيه ديمومته واستمراريته وإلى حد كبير يحدد أفقه ونتائجه وتحديدا في الحالة الفلسطينية المحكومة بالجغرافيا بالإضافة طبعًا للأبعاد الأخرى. وإذا كان المشروع الصهيوني في الجوهر جزءًا من المشروع الإمبريالي وأداة من أدواته بصرف النظر عن طموحه الذاتي الذي تغذيه هشاشة الواقع العربي، فإن إيقاظ هذا البعد في خضم الصراع مسألة جوهرية وتدرك الإدارة الأمريكية بمصالحها المتناثرة على طول الوطن العربي وعرضه أكثر من غيرها خطورته، ولن تتوانَ عن إيجاد حلول لتجنب تبعاته، رغم أن هذا البعد لم يحسم بشكل كامل في الساحة العربية، وربما سيبقى لفترة طويلة مثار جدل واسع في صفوفها وذلك لاعتبارات عدة منها الجهل بطبيعة التحالف الإمبريالي الصهيوني وليس أدل على ذلك من حالة الاستهجان العربي من الانحياز الغربي الفج ومناشدته أخلاقيًا بالضغط على الكيان الصهيوني في الوقت الذي يُعلن حالة النفير الكامل وتتقاطر كل قيادته السياسية والعسكرية والأمنية للكيان المحتل وتحويل تل أبيب إلى غرفة عمليات والبقية معروفة للجميع وهذا يثبت للمرة الألف أن الإمبريالية الغربية هي الأصل والكيان الصهيوني هو الفرع وأينما ضرب يوجع.
لقد فرضت هذه العملية البطولية معادلات جديدة وطرحت مجددًا أمام الكيان الصهيوني المحتل سؤال الوجود التاريخي ولن ينج من ارتداداتها مهما كانت المحصلة النهائية وإن تعميق مأزقه التاريخي ومراقبة تناقضاته الداخلية التي يحاول التستر عليها بالقتل والإبادة الجماعية يتطلب خطوات عملية سريعة.. فما هي؟
أولًا: على الصعيد الفلسطيني: جبهة وطنية واسعة تضم جميع الفصائل والشخصيات الوطنية المستقلة تستجيب لمتطلبات المرحلة وتحت قيادة شخصية وطنية مرموقة وموثوقة مشهود لها بالوطنية والنزاهة بحيث يتاح لها هامش من حرية الحركة السياسية والعمل على إعادة اللحمة الوطنية ووحدة التراب الوطني بحيث لا تبقى مقاومة بجزء من الشعب، وعلى جزء من الوطن والساحة الفلسطينية زاخرة بالكفاءت الوطنية، وكل ذلك ممكن إذا ما تمت الاستفادة من التجربة الماضية وتجاوز الأجندة الفئوية الضيقة بهذا المعنى يمكن البناء على سيل التضحيات الغالية في التأسيس لمرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني.
ثانيًا: على الصعيد العربي: مساعدة هذا الإطار الوطني الموقت في إعادة هيكلية النظام السياسي الفلسطيني وتفعيل تجمعاته ومؤسساته الوطنية ودور كيانه المعنوي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، بحيث تشمل جميع المكونات الوطنية؛ بما يعزز الصمود الشعبي، وبما يخدم أهداف المشروع الوطني التحرري في العودة والدولة المستقلة بالقدس العربية عاصمةً لها كحل مرحلي مُجمع عليه وطنيًا، وذلك من خلال توفير الغطاء السياسي والإعلامي والدعم المالي والمساعدات الإنسانية العاجلة.
وبهذا تسقط الحجج والمحاذير الخفية التي تتذرع بها معظم الأنظمة العربية للحيلولة دون ممارسة دورهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية والتزاماتهم القومية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة. وبعد ذلك لكل حادثة حديث.