ولَّعت!

 

 

د. خالد بن علي الخوالدي

فرحة لا توصف وإنجاز تاريخي لرجل مقاوم من غزة العزة، يحمل سلاحًا متواضعًا وبقلبه إرادة فولاذية لا تحدها الحدود ولا تقف أمامها السدود مدعومة بمدد رباني "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىتابعه الملايين في العالم وهو يقفز قفزة النصر والفوز وقال وهو يصرخ فرحاً (ولّعت)، وولّعت بمعنى احترقت.

حلم قد يراه من توسد فراشه حلماً صغيراً ولكن مع هذا البطل هو حلم كبير وكبير جداً لأنه فجَّر دبابة الميركافا التي نُسجت حولها القصص والروايات بأنها لا تخترق ولا تحترق ولا تدمر ولها مواصفات يعجز عن وصفها اللسان ولكن إرادة الله أقوى وأشد.

ما أجمله من إنجاز وما أحلاها من فرحة وما أغلاها من قفزة، قفزت معها قلوبنا فرحا وطربا وسعادة، وقفزت في قلوب الأعداء والمنبطحين والصهاينة من اليهود المتعجرفين معاني الصغار والذل والمهانة والحسرة، رجل بملابسه العادية ولم يتخرج في أكاديمية عسكرية معروفة، ولا يحمل أية إشارة على صدره وكتفه بأية رتبة عسكرية معروفة، ولكنه حمل روحًا تفدي فلسطين والمسجد الأقصى المبارك وأهله في غزة الكرامة والعزة والشرف، حمل إرادة شعب لا يرضى الهوان ولا يسمع للمرجفين والمتصهينين الذين يريدون منه الخنوع لذل الصهاينة اليهود، والمقاوم الغزاوي أثبتت أنه يعيش في زمن غير زماننا.

وكل يوم يثبت المقاومون أنهم رجال المرحلة ونرى فيهم رجولة الصحابة، وكل واحد منهم يمثل المقداد، ولمن لا يعرف المقداد فهو الذي قيل فيه (لا يهزم جيشٌ فيه المقداد) فقد روي أنَّ أحد القادة أرسل لسيدنا عمر بن الخطاب يطلب منه المدد في إحدى المعارك لما رأى وصول المدد لجيش العدو فأرسل إليه رجلاً واحداً وكتب له "أرسلت إليك المقداد بن عمرو ولن يُغلب جيشٌ فيه المقداد بن عمرو" وصدقت فراسته فإنَّ العدو تناوش الجيش وهمّ بعض أفراده بالتخاذل والتقهقر، فصاح المقداد وهجم بمفرده على جيش الفرس المتقدم، وتحمَّس لخروجه نفرٌ من المسلمين فتبعهم الباقون وكان ذاك سبب النصر، وروي أنه قطع خرطوم الفيل الأعظم فكانت هزيمتهم، ولا يستطيع الوصول لذلك الفيل فضلاً عن قطع مشفره أحد، رجل بألف رجل كما يُقال، وهذا هو حال المُقاتل الغزاوي اليوم الذي قفز تلك القفزة بعد أن ولعت الدبابة التي فجرها وقضى على من فيها من بقية الجيش الذي لا يُقهر كما يقال.

ورغم عدم وجود الإمكانيات العسكرية التي توجد عند العدو المتعجرف، ورغم الألم والفقد والدمار والخراب الذي شهدته غزة المحاصرة، ورغم بكاء الأمهات والآهات ونزيف دماء الشهداء الأبرياء، إلّا أنَّ غزة تنتصر مرة أخرى على الفئات الظالمة والباغية والمتكبرة، تنتصر على الصهاينة رغم فارق الإمكانيات البشرية والأسلحة والعدة والعتاد، تنتصر بإيمان أهلها بأنَّ فلسطين غالية ويرخص لأجلها الدم والمال والنفس والروح، نصر الله أهلنا في غزة وحفظ الله فلسطين والمسجد الأقصى.

ودمتم، ودامت عُمان بخير.