حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تواصل سلطنة عُمان سدادَ الدين العام الذي سجل خلال السنوات الأخيرة تراجعًا لافتًا، وأدى إلى تحسين التصنيف الائتماني للبلاد، إلا أنه نتج عن ذلك انكماش في أنشطة وأعمال المؤسسات والشركات التجارية الكبيرة للقطاع الخاص العماني بسبب تراجع أعداد المشروعات الحكومية السنوية.
لقد أدى الالتزام المالي للدولة تجاه الدين العام إلى تحسُّن التصنيف الائتماني للسلطنة وارتفاعه نتيجة لتلك الإجراءات، وما تقوم به الحكومة في هذا الشأن من خطوات يهدف إلى الإصلاح الاقتصادي من جهة، وضبط الإنفاق العام، بجانب استغلال الإيرادات الإضافية في دفع الدين من جهة أخرى. ومن المتوقع أن يتراجع هذا الدين بصورة أكبر خلال السنوات المقبلة.
والدين العام يتحمله كل فرد في المجتمع وهو ثقل على كاهل الدولة، وتلتزم الحكومات بإيفائه مهما كانت الظروف الاقتصادية والمالية لها، وعدم الالتزام بدفعه يخلق مشاكل كبيرة للحكومات ولأفراد المجتمع أيضًا، الأمر الذي يدفع الحكومات لتخصيص جزء كبير من الإيرادات المالية السنوية لدفعه، مع دفع الفوائد السنوية المستحقة عليه، وهذا يؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني للبلاد، والذي تقوم به الوكالات المتخصصة لتقييم صلاحية وأهلية الدول والشركات وكذلك الأفراد للحصول على قروض معينة، وجدراتهم وقدرتهم في تسديدها في فترة زمنية معينة. ومن خلال تلك التقييمات تعطى درجة تقييم التصنيف الائتماني وتقدير درجة الملاءة لمؤسسات الحكومة والقطاع الخاص، ومدى استعدادها للحصول على القروض الجديدة من مصارف أو مؤسسات مالية أخرى.
مستوى التصنيف الائتماني الأخير للسلطنة وفق كالة موديز تم رفعه من "Ba2" إلى"Ba1"، كما تم تغيير النظرة المستقبلية من إيجابية إلى مستقرة؛ الأمر الذي يُعطى فرصة أكبر للحكومة والمؤسسات في الحصول على القروض وتمويل المشروعات الكبيرة متى شاءت وتضمن حقوق الدائنين، بجانب ذلك تكون تكلفة التمويل الذي تحصل عليها الدولة المقترضة ومؤسساتها عند حدودها الدنيا المتعارف عليها، والعكس صحيح في حال كون الجدارة الائتمانية للدولة ضعيفة.
إنَّ تحسُّن السياسات المالية للحكومة العمانية سوف يُساهم في تعزيز المركز المالي للبلاد، فيما تبذل الحكومة جهودًا مضنية نحو تعزيز التنويع الاقتصادي وتنشيط الاستثمارات الداخلية، وهذا ما حدا بوكالة موديز أن تتوقع تراجع المديونية العامة للدولة إلى نحو 35% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاثة المقبلة.
والتزام الحكومة العمانية وتوجهها لدفع الدين العام منذ عام 2019 وحتى اليوم، حقق نتائج إيجابية وعاد بالنفع على سمعة السلطنة المالية، وتحسين التصنيف الائتماني، وإعطاء القدرة لها في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد، إلّا أن ذلك تسبب في تأثير سلبي على أعمال القطاع الخاص الذي ما زال يشعر أن مجموع قيم إنشاء المشاريع الاقتصادية الكبيرة قد قلّ كثيرًا، وأن حركة الدوران الاقتصادي تباطأت نتيجة التحكم في الأموال العامة، وتخصيص الجزء الأكبر منها لدفع الدين العام؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع أعمال الشركات والمؤسسات الكبيرة، وإفلاس بعضها، وتسريح عدد من العُمانيين العاملين لديها، وخاصة شركات النقل والمقاولات وغيرها. كما أدى ذلك الى ترحيل عدد كبير من العمالة الوافدة التي كانت تعمل في تلك المؤسسات، وبالتالي تأثر قطاع العقار والسياحة وقطاع بيع التجزئه بتراجع أعمال تلك المؤسسات التجارية الكبيرة.
لقد واجهت السلطنة هذه المعضلة في وقت شهدت فيه أسعار النفط العالمية تراجعًا ملحوظًا، فيما كان الجميع يواجه معضلة التخلص من وباء "كوفيد-19" الذي أدى إلى تراجع الحركة التجارية العالمية. وتتوقع وكالة موديز أن يبلغ متوسط أسعار النفط العالمية نحو 80- 85 دولارًا أمريكيًّا للبرميل خلال السنوات 2024- 2025 قبل أن تتراجع تدريجيًّا بين 55 و75 دولارًا أمريكيًّا للبرميل خلال المدى المتوسط.
لقد تبنت الحكومة خلال السنوات الماضية خططا طموحة للاقتصاد العماني والتنويع الاقتصادية في إطار الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" لاستغلال الموارد المالية والكفاءات البشرية بصورة جيدة في الفترة المُقبلة. ويأتي تنفيذ سياسة الحماية الاجتماعية في هذا الإطار من أجل تمكين مختلف فئات المجتمع العماني من الحصول على موارد مالية نقدية إضافية، الأمر الذي سوف يعزز من قدرات العائلات والمجتمع العماني ماليًا، ويؤدي إلى تحريك الاقتصاد العماني وأعمال القطاع الخاص بصورة أكبر، بجانب تعزيز جوانب الادخار الفردي لدى الأشخاص.
ولا شك أنَّ اكتشاف كميات جديدة من النفط والغاز واستغلال الموارد الطبيعية الأخرى سوف يُعزِّز من الايرادات السنوية للبلاد، ويُحقِّق مزيدًا من الفوائض المالية؛ الأمر الذي سوف يساعد على تعزيز دفوعات مبالغ الدين العام لتصبح عمان خلال السنوات القليلة القادمة قادرة على تأسيس مشاريع ضخمة وتعزيز الجوانب الأخرى للاقتصاد العماني، وزيادة الرفاهية للمجتمع العماني.