مقالات "عصر الجاهز"!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

 

"الحروب تدور في مجال السياسة، ومشاهدها الأخيرة فقط هي التي تنتقل إلى ميادين القتال" محمد حسنين هيكل.

********

في أحد الحوارات مع أحد الأحبة أكد لي أننا نعيش "عصر الجاهز"؛ إذ يقول: "الناس ما عندها وقت تقرأ وتريد أحدًا يقرأ لها، حتى في الأكل تجد أكثر المطاعم انتشارًا ونجاحًا وربحية هي مطاعم المأكولات السريعة، كل وأنت تمشي، وممكن جدًا وأنت تجري"!

وفي كتابة المقالات التي أصبح عدد قراءها يتناقص حينا بعد حين، حتى أنت الذي تقرأ هذه العبارة أتصور أنك قد لا تقرأ مقالات بعد مدة، قد تكتفي بتغريدة عابرة، وفيها ما لذ وطاب من الأخبار المختصرة جدًا.

نحن في وقت حتى اللغات فيه ذابت، تطبيقات الترجمة سيطرت على أسواق اللغات (هل هناك أسواق للغات؟)، وأصبح التنافس بينها محتدما، بالكاميرا ممكن تظبط أوضاعك الكلامية بأي مكان بالعالم، حتى لغات الهنود الحمر ممكن تجدها بتطبيقات الترجمة، لم يعد الآن هناك عذر لعدم معرفة اللغة، فقط حمل التطبيق الملائم لك وابتدأ بالتحدث عن طريق هذه التطبيقات، وإن لم تستسغ هذا الأمر، ولايهمك كاميرا التطبيق تكفيك عناء السؤال وتترجم لك ماتريد بذات اللحظة، فقط أشر بها على مكان الكتابة، وأهلًا وسهلًا، هل هناك دلالات أكثر من ذلك؟

على ذكر الترجمة أتذكر أن أحدهم كان مسافرًا لعاصمة النور قبل سنوات وأظن معرفته باللغة الفرنسية كمعرفتك بمكاني الآن، لا أطيل عليك هو كان يسير بأحد الجادات الباريسية وأمامه إعلان مشوق فيه دعاية على طريقة يمين يسار يمين يسار- حسب فهمه وفق الإشارات المشاهدة- وأثناء المشاهدة لليمين يسار يمين يسار، وكان يتحدث مع صديقه المرافق بصوت مسموع على اعتبار أن لا أحد سيفهم اللغة العربية الغريبة على أهل باريس، لكن أستوقفه أحد المارة بجانبه فنبهه عن الفهم الخطأ، وأفهمه بأن قصد الإعلان مختلف، وان العاصمة لا تخلو من بني يعرب.

نحن في زمن كثير من البديهيات تغيرت فيه، أعطيك مثالًا: في السابق كانت الحروب العربية بالسيوف والدروع والأسلحة البيضاء وركوب الخيل، ثم جاءت الدبابات والأسلحة الميكانيكية، وأصبح من يصنع السيارة ممكن جدًا أن يصنع مركبة مصفحة، وكثرت مشتريات العرب من السلاح حتى أصبحوا تقريبا هم الزبون رقم واحد عند شركات السلاح، وبعد ذلك توالت الهزائم العربية، وأصبحت هذه الأسلحة مناسبة جدا للإستعراضات العسكرية أو مقاتلة بعضنا بعضًا، أما إن في حروب الصهاينة فإننا مؤدبين وملتزمين بالقانون في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لدرجة انه أصبحت ذروة جهادنا هي من يطلق تصريحات أكثر حدة من الآخر.

بالطبع الشعوب لاتملك سوى ماتستطيعه وأكثره وليس أقله المقاطعة لكل من تثبت صهيونيته، و بالطبع الشعوب ليست مسئولة عن فرق التقنيات الميكانيكية بين الدبابة الصهيونية أو العربية، ولا حتى الفرق بين  المرسيدس 600، والأودي السبورت، وإن كانت من بلاد الجرمان التي أصبحت صهيونبة وكأنها تتعذر عما فعله هتلر إبان العصر الغابر!

الأكيد أننا في وقت كل شئ فيه تغير، لا الأكل هو نفس الأكل، ولا حتى الرياضة، الآن بإمكانك شراء عجلة تلعب بها رياضتك المفضلة في غرفتك ببيتك العامر، وقد تضع أمامك شاشة تلفزيونية تشاهد خلالها مشاهد القتل المأساوية في غزة الجريحة، وأنت تجري واقفًا، حتى حركة مشي لن تحتاجها، فالجهار مشكورا جعلك تتحرك واقفا، وياسلام على العولمة!

عمومًا.. فلننتظر حرب التصريحات وتأثيرها على الصهاينة، وهل هُم فعلًا متأثرين بها، أم يتندرن عليها، الأكيد والتأكيد والمؤكد أن الحرب في مواجهة الرجال للرجال، والجيش للجيش، ومن لم يستطع فليقل خيرا أو ليصمت، فالوقت وقت سلاح ورجال ومال، والتصريحات في وقت السلم فقط، فهمت وإلا أفهمك زيادة: في وقت السلم فقط.

يقول نزار قباني:

يا تلاميذ غزة

علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا

علمونا بأن نكون رجالا

فلدينا الرجال صاروا عجينا

علمونا كيف الحجارة تغدو

بين أيدي الأطفال ماسا ثمينا

كيف تغدو دراجة الطفل لغما

وشريط الحرير يغدو كمينا‍!