سينما البحر الأحمر.. حيث الإبداع والترفيه

 

 

مدرين المكتومية

ما زالت التجربة السعودية الثرية بمحتوياتها تُبهرنا وتُثير إعجابنا، وتؤكد أن الإنسان إذا ما أراد شيئًا وسعى له بكل حرص وتفانٍ سيحققه يومًا ما، وأننا يجب أن نحذف من قاموسنا أي لفظ يعني أو يُشير إلى المستحيل، وهذا ما جسدته الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، المقام على ضفاف مدينة جدة الساحرة، عروس البحر الأحمر.

الإبهار الذي أتحدَّث عنه يتجسد في كل تفاصيل هذا المهرجان الدولي، الذي يؤكد جميع القائمين عليه أنه لا طريق سوى التقدم والرُّقي وتقديم الأفضل، ليس فقط فيما يتعلق بالسينما السعودية وما تحققه من تطور لافت فاق التوقعات، ولكن أيضًا بالنسبة لمسيرة تطور السينما العالمية؛ باعتبارها نافذة إنسانية نحو استكشاف عوالم وفضاءات لم نكن لنصل إليها دون هذا الابتكار الذي مر على اختراعه أكثر من 120  سنة تقريبًا.

السينما هي فن الإبداع والتواصل مع الآخر بلغة يفهمها الجميع؛ إذ لست بحاجة إلى دراسة متخصصة أو مستوى تعليمي مُعين كي تُدرك وتستوعب المغزى أو الهدف من أي عمل سينمائي، فقط أن تكون متذوقًا للفن، أن تملك حسًّا فنيًا يسيرًا كي تصل لك المعاني الكامنة والرسائل الهادفة من وراء كل مشهد وكل كلمة وكل أداء سينمائي.

فلقد تلقيتُ بكل سعادة دعوة كريمة من الأصدقاء الأعزاء في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي لحضور وتغطية أعمال هذا المحفل الفني الكبير، الذي يجمع كبار نجوم الشاشة العملاقة وصُناع هذا الفن الراقي، والقائمين على تطويره من مختلف أنحاء العالم، نجتمع هنا في جدة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، تلك الدولة العملاقة التي استطاعت بقيادة حكيمة شابة أن تقفز لمرحلة أرحب من التقدم والرقي، واستعادة أمجاد الأجداد. ومنذ اللحظة الأولى التي وصلتُ فيها إلى مقر انعقاد المهرجان، والجميع يعمل بلا كلل أو ملل، الجميع مستعد تمامًا لتقديم الدعم والمساعدة والمساندة كي يتمكن كل صحفي وصحفية من أداء مهمته التي جاء من أجلها. هنا لا مكان للتكاسل أو الاعتقاد بأن هذه فُسحة أو استراحة من العمل؛ بل هي رحلة عمل جادة للغاية؛ حيث يعمل كل مُشارك على إعداد وكتابة القصة التي جاء من أجلها، وتنفيذها على النحو الأمثل الذي يضمن لها الانتشار الواسع عبر مختلف منصات النشر.

الجميل في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بدورته الثالثة، أنه أعماله تلتئم بالشراكة مع مجموعة (MBC) السعودية المرموقة صاحبة التاريخ المُمتد في عالم الترفيه والفن، و"ڤوكس سينما" التي تُدير أكبر شاشات العرض السينمائي في المنطقة والعالم، و"نيوم" تلك المدينة المستقبلية الساحرة. وقد أُزيح الستار عن أعمال المهرجان في دورته الثالثة بعرض فيلم "حوجن" للمخرج ياسر الياسري، في عرضه العالمي الأول، بحضور طاقم العمل: نور الخضراء، براء عالم، نايف الظفيري، العنود سعود، محسن منصور، وشيماء الطيب، إلى جانب حضور رئيس لجنة تحكيم المهرجان باز لورمان، وأعضاء اللجنة جويل كينمان وفريدا بينتو وأمينة خليل وباز فيغا وهناء العمير وفاتح أكين. الفيلم قد ينتمي إلى الواقعية السحرية؛ حيث تدور أحداثه حول قصة جني فضولي يعيش في مدينة جدة، وفي أحد الأيام يكتشف حقيقة نسبه الملكي، فتبدأ رحلة حوجن (براء عالم) لاستعادة حقه الشرعي بينما يحارب قوى الشر في سبيل الحفاظ على التوازن بين عالمه وعالم البشر. وخلال مغامرته، يتعرف على طالبة الطب الشابة سوسن "نور الخضراء"، فتنشأ بينهما علاقة رومانسية غير متوقعة. هذه القصة التي تمزج بين الخيال والواقع في قالب من الإثارة والرومانسية تُظهر مستوى الإبداع الذي بلغه المؤلف السعودي وفريق الإخراج المتكامل، وتوظيف الإمكانيات البشرية والمادية لصناعة عمل سينمائي احترافي يرقى للمنافسة العالمية. ولا شك لديَّ أن السينما السعودية وفي غضون سنوات قليلة ستكون منافسًا كبيرًا ورقمًا صعبًا في المهرجانات السينمائية العالمية.

وإلى جانب هذا الإبداع الذي تكتشفه في كل جوانب المهرجان، ثمة جانب أودُّ الإشارة إليه وهو أن جزءًا من نجاح هذا المهرجان يتحقق بفضل التعاون والانفتاح على الآخر، في تعاون إبداعي يمثل جوهر النجاح لأي عمل احترافي ومهني. فالمهرجان ليس فقط المسابقة الرسمية، ولكن هناك العديد من الفعاليات المصاحبة التي يشارك فيها الكثير من المبدعين من حول العالم، ومن هذه الفعاليات: سوق البحر الأحمر، وملتقى الصناعة السينمائية التابع للمهرجان، وورش العملٍ التي يقدمها خبراء صناعة السينما في صورة جلسات حوارية شيقة ومُثرية ومفيدة.

"قصتك بمهرجانك" هو شعار الدورة الثالثة من هذا المهرجان الكبير، وهو شعار يحمل الكثير من الدلالات والمعاني؛ إذ يمزج الذاتية مع الموضوعية في قالب إبداعي يُتيح لكل مشارك؛ سواءً كان مخرجًا أو مُمثلًا أو مصورًا أو فنيًا يعمل ضمن فريق عمل إبداعي أو صحفيًا حضر لتغطية المهرجان، أن يروي قصته داخل المهرجان، بأسلوبه وطريقته التي يُفضلها.

إننا أمام جهد مُقدَّر لا يُمكن إنكاره، يعكس القيادة الاحترافيه المُميزة لقطاع الترفيه في السعودية التي تخطو خطوات حثيثة ليس من أجل المشاركة وحسب في الساحة العالمية، وإنما من أجل احتلال الصدارة وتبوُّء المكانة السامقة بين العالمين.

تحيَّة شكر وتقدير للقائمين على هيئة الترفيه، وللزملاء الأعزاء في إدارة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، على هذه الجرعة من الإبداع والتميز والاحترافية، وخالص التمنيات بمزيد من العطاء والازدهار.