القيادة القيمية في القضية الفلسطينية

 

د. أحمد اللواتي **

حينما سُئل العالِم الأوروبي الفرنسي ألبرت شوتزر المتوفَّى سنة 1965، عن أهم صفة في القائد، فأجاب إنها ثلاث صفات: الأولى هي القيادة بالتطبيق، والثانية هي القيادة بالتطبيق، والثالثة هي القيادة بالتطبيق، وهو يشير في هذا التكرار إلى أهمية أن يطبق القائد ما يقول، وإلّا فإنه ليس لها معنى. هذه الفكرة عرضها القرآن الكريم في قوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف:2-3).

وحينما نعكس مفهوم القيادة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اليوم فإننا نجد محورين أساسيين يتجسدان في موضوع القيادة القيمية وهي القيادة القائمة على مبدأ تطبيق القيم الأصيلة المتجذرة منذ القدم في عمق البشرية الإنسانية والتي لا تخضع لدين أو مذهب وتسالم عليها البشر عموما بمختلف أطيافهم ومشاربهم.

المحور اللاقيمي للمعتدي الغاصب

كنت أظن بادي ذي بدء أن هذا المحور غير مطلع على معنى القيادة القيمية أو لا يعرف معنى القيم الأصيلة، إلا أنني تيقنت اليوم بعد دخولنا الشهر الثاني من الحرب على إخوتنا الفلسطينيين بأن هذا المحور يعرف القيادة القيمية ولكنه يعيش جهلا مركبا فيطبق القيم أحيانا ويتركها أخرى وفقاً لمصالحه. فمثلا يتحدث عن مفهوم العدالة ويتشدق بها ويطبقها عندما لا تتعارض مع مصالحه وأهوائه، ولكن في موضوع صار يعد شائكا-للأسف الشديد- كالقضية الفلسطينية نجده يتحدث عن العدالة كمفهوم عام لا يمكن أن يطبقه على أرض الواقع!

يعجز قلمي حقيقة أن يخط بأن هذا الكيان الغاصب عنده بعض من القيادة بل بعض من الإنسانية هو يقتل النساء والأطفال بدم أقل ما يقال عنه أنه بارد ولا يعبأ بأي شيء. ستكون الداعيات عليه وخيمة على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

المحور القيمي للمقاومة والممانعة الفلسطينية

إن هذا المحور يجسد في طياته وشذراته أعلى قيم الأصالة مثل الإخلاص والتضحية والعمل النبيل والإيمان والصبر وبعد النظر. تجد ذلك حاضرا على صعيد جهتين أساسيتين وهما جهة المقاومين أنفسهم وجهة الشعب المقاوم. فنجد مثلا المقاوم والذي يقوم بعمل بطولي حاملا روحه على كفه من جهة وقنبلته من جهة أخرى مستعدا أن يفدي بنفسه من أجل أن يضعها على سطح دبابة ضخمة علها تكون سبيلا لتحرير وطنه من يدي الغاشم المحتل. ونجد الأم أو الأب اللذين يحملان ولدهما الشهيد وهما يرفعانه عاليًا نحو السماء ليقولا لربهما: اللهم تقبل منا هذا القربان، الهي خذ حتى ترضى وهذا لهو في سبيل القدس!

ما أروعها من دروس وعبر في القيادة القيمية التي تجسد حقيقة القيادة بالتطبيق؛ سواءً الإيمان بالقضية أو التضحية أو الإخلاص أو غيرها من القيم. ولا أجد في عصرنا الحديث مثالا أفضل وأروع من هذه الأمثلة لتسطر لنا الدروس في القيادة القيمية.

لقد جسدو بحق الآية الكريمة "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" (آل عمران: 173-174)

سيذكِّرُنا التاريخ بعد انتهاء هذه الحرب وتحقيق الانتصار الحتمي بأن القيم القيادية هي التي تنتصر في النهاية وكل من يضعها نصب عينيه هو من ستكون له الغلبة في نهاية المطاف وهذه قاعدة نضال الشعوب ضد مغتصبي الأرض والوطن.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7).

** دكتوراه في القيادة والابتكار- جامعة نيويورك

تعليق عبر الفيس بوك