صباح الخير يا بلادي

أنيسة الهوتية

صباح الخير يا بلادي، بلادي الأبية التي تقدمت دول العالم أجمع وأعلنت على لسان وزير خارجيتها معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي الموقر أنَّ حماس حركة مقاومة وليست مُنظمة إرهابية، ومعاليه كان المُبادر كذلك بمطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتشكيل محكمة لجرائم الحرب المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

ورغم الألم المرير والحزن الكظيم والقهر العظيم الذي يعانيه قلبي كقلوب جميع البشر الإنسانيين على الحال الذي آل إليه وضع أطفال وكبار وشيوخ وشباب ورجال ونساء فلسطين، إلا أني بدأت أردد بطَربٍ وأكرر وأُدَندن في لحظة غيبوبة حسية مدمجة بإحساسٍ غَيمي عند سماعي للخبرين اللذين زُفا على مسامعي كزف العروس التي "صبرت ونالت (وَمن مثلك!).. نعم من مثلك يا عُمان الأبية برجالك الأوفياء للوطن، والدين، والإنسانية الذين يظهر معدنهم الذهب الخالص في المواقف الشديدة، والذين يصطفون في أوائل الصفوف المتقدمة بآرائهم وأقوالهم وأفعالهم المتكئة على جدار الإنسانية قبل جدار الدبلوماسية والسياسة الدولية، وكذلك السياسة الدينية التي جعلت الكثير من البشر يتحولون إلى (اللادين) بسبب عدم وضوح الدين بعد تعكير صفاء الأديان من المتعاملين بها لمصالح خاصة لهم، ثم "شخصنة" الدين لمآرب أخرى.

وَمن مثلك! يا بلادي التي أعلنت مباشرة منع الطائرات الإسرائيلية من الطيران في مجالها الجوي، ليتحد موقفها مع القيم الإنسانية قبل كل شيء! فقانون (لا ضرر ولا ضرار) هو الثابت هُنا في سلطنتنا اتباعًا لسُنة النبي الحبيب عليه وعلى آله أزكى الصلاة والسلام.

وَمن يعرفني حق المعرفة يعرف أني لستُ من المُرائين، ولا أحب التصفيق لأحد إلا إذا كان فعله أو قوله متميزًا وَيستحق، وهنا وجدت المُتميز فعلًا لأجل ذلك أنا الآن أكتب هذه السطور التي أعنونها بوصف: (الحق يقال)، والحق اسمٌ من أسماء الله تعالى يعلو ولا يُعلى عليه... وهذه كلمات حق أقولها في بلادي ورجالها الأوفياء، في أول مقالة لي بعد التوقف عن الكتابة لما يقارب الشهرين! شَهرين لم أستطع أن اكتب سطرًا واحدًا مُتكاملًا من بعد أحداث غزة! ووضعتُ جميع كتاباتي السابقة في ملفٍ وأقفلتُ عليه لأن شعوري كان مُفحمًا تمامًا محترقًا تمامًا حتى جعلني أشعر بأن لا شيء يستحق النشر!

لا فكرة، لا إنجاز، لا فكاهة، لا أدب، لا ألم، لا شيء بتاتًا أمام ما يحصل في غزة... إلا اليوم، شعرت أن هناك ما يستحق النشر ليس فقط لأجل غزة؛ بل للأُمتين الإسلامية والعربية اللتين انجرفتا إلى ملذات السعادة بمقاييس الأُمم المتحدة بالتنويم المغناطيسي أو السحر الأسود المنمق باللسان السياسي الدولي! وما كان هذا سيحدث لو كانوا متمسكين بمبادئهم الإسلامية الأساسية دون انشقاق، وقول فلان وعلان، حتى نسوا أصل الدين وجذوره الثابتة في الأرض بينما هم يتتبعون الأفرع والعصافير التي تزقزق عليها!

على الأمة الإسلامية أن ترجع إلى نفسها، وتقرأ وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)، و(من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، و(الله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه). صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هيبة الدين أعظم وأكبر من هيبة التمثيليات السياسية التي تكتبها الأمم المتحدة ويخرجها ويمنتجها بعض الدول "المصلحجية" مع رئاستها ويمثلها الكومبارس من الخط الأول، والضحايا هُم من يظنون أنهم يتملقونهم لنيل الأمان والسلام والرُقي، إلّا أنهم ليسوا سوى أعداد من الخشب في مخزنهم للاستخدام في الاحتراق الأخير!