النطق السامي يُوجِّه بوصلة مجلس عُمان

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

"إنَّ مجلسَ عُمَانَ لَشَرِيْكٌ أسَاسِيٌّ في مَنْظُوْمِةِ الدَّوْلَةِ، وهذهِ الشَّرَاكَةُ تُلْقِي عليكمْ مَسْؤُولَيْةً كَبيرةً، فكونوا على قدْرِ المسؤوليةِ، واضِعينَ مَصْلَحَةَ البلادِ نُصبَ أعينِكم، مسترشِدِينَ في ذلك بمبادئِ النظامِ الأساسيِّ للدولةِ وبالقوانينِ المُنظِّمَةِ لعملِكُم، وما أتاحَهُ لكمْ قانونُ مجلسِ عُمانَ مِن صلاحياتٍ، وإننا إذْ أوْلَيْنَاكم ثِقَتَنَا؛ لَنَأمَلُ أنْ يكونَ لأعْمَالِكُم إسهامٌ بارزٌ في إثراءِ التطورِ والنماءِ لمسيرةِ النهضةِ الظافرةِ" جلالة السلطان هيثم بن طارق، مجلس عُمان، نوفمبر 2023.

تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- ولأول مرة منذ توليه مقاليد الحكم في يناير 2020، بافتتاح دور الانعقاد الأول للفترة الثامنة لمجلس عُمان، هذا الحدث التاريخي الذي يضاف إلى الأحداث الراسخة في ذاكرة تاريخ سلطنة عُمان الحديث ليُعد بمثابة مرحلة جديدة من مراحل مجلس عُمان المتعددة، وهو ترسيخ لأهمية دور هذه المؤسسة الوطنية والإيمان بدورها الوطني وما يمكن أن تساهم فيه خلال المرحلة القادمة، وما ساهمت به منذ انطلاق مسيرتها بمختلف المراحل والمسميات.

استهل جلالة السلطان- أيده الله- خطابه السامي بعبارات الشكر والتقدير لدور مجلس عمان خلال الفترة الماضية حيث قال "إنَّنَا في مُستَهَلِّ لقائِنَا، لَنُوَجِّهُ الشكرَ لكافةِ الجُهُودِ المَبْذُوْلَةِ، والمُبَادَرَاتِ الفَاعِلَةِ لأعْضَاءِ مَجْلِسِ عُمَانَ، خِلالَ الفَتَرَاتِ المُنْصَرِمَةِ، ونُشِيْدُ بِنْضُجِ تَجْرِبَةِ المَجْلِسِ، وتَكَامُلِهَا مَعْ أَجْهِزَةِ الدَّوْلَةِ المُخْتَلِفَةِ، تعزيزًا لفَاعِلِيَةِ العَمَلِ الوَطَنِيِّ، والذي نَحْرِصُ عَلَى أَنْ يحْظَى بالمَزِيدِ مِنَ الاهْتِمِامِ والدَّعْمِ"، وفي هذا الشكر والتقدير لهذا المجلس رسالة واضحة لمدى قدرته على القيام بما يناط به من مهام، ومساهمته الفاعلة خلال الفترة الماضية من عمر النهضة المباركة، وعندما يكون هذا التقدير من رأس الدولة فلابُد لكل من نال شرف عضوية هذا المجلس سواء في الدورات السابقة أو الحالية أن يضع هذا التقدير وسامًا على صدره يفاخر به، وعلينا جميعًا أن نفخر بهذا الصرح الوطني وأن نعمل على تعزيز دوره تحقيقًا لإرادة القيادة الرشيدة.

وبالعودة للخطاب السامي، فقد تفضل جلالة السلطان- حفظه الله- وقدم شكره للمجلسين، مشيرًا إلى أمر مُهم يجب أن ننتبه له جيدًا وأن نتوقف عنده متأملين الغاية من ذلك التحديد الدقيق، فقد أشار جلالته أعزه الله في أثناء شكره للمجلسين إلى أن مجلس الدولة هو من اختياره أيده الله وأن مجلس الشورى هو اختيار الشعب، وفي هذه الإشارة رفعة لمكانة الشعب واختياراته وممثليه قرنها جلالته أعزه الله باختياره لأعضاء مجلس الدولة، وفي هذا التوصيف المهم دلالة واضحة على المكانة التي ينظر بها جلالته لمجلس الشورى والاهتمام باختيارات الشعب لمن يمثله، فمجلس عُمان بالنسبة لجلالته جناحي طائر يحلق بهما عاليًا يؤازر أحدهما الآخر ولا يستغني عن أي منهما وإلا سقط، وهذا حال البلاد فلابد من تكامل للجهود وتضافرها للعطاء بين جميع مؤسسات الدولة.

إن المسؤولية الملقاة على عاتق أعضاء مجلس عمان كبيرة، والآمال المعقودة عليهم عالية وقد أشار جلالة السلطان أعزه الله إلى ذلك في خطابه وحدد البوصلة التي يجب أن يمضي بها المجلسان سواء الدولة أو الشورى وهي ما نصت عليه القوانين والأنظمة وحددته في موادها الواضحة، فالنظام الأساسي للدولة وقانون مجلس عُمان بيَّنَا بما لايدع باباً للاجتهاد اختصاصات المجلسين وصلاحيات الأعضاء، هذه الاختصاصات والصلاحيات صيغت بحكمة بالغة ومعرفة دقيقة بما يمكن أن يقدمه كل مجلس وما الدور الذي أوكله لهما ولي الأمر وبالتالي لا جدال ولا اجتهاد فيما لم يحدده القانون.

ومن أجل ممارسة صحيحة وأداء فعال للأدوار تقع على عاتق أعضاء المجلسين مسؤولية فهم هذه الصلاحيات والاختصاصات والأدوار فهمًا عميقًا يمكنهم من أداء مهامهم الوطنية ويجعلهم أعضاء فاعلين مساهمين في مسيرة التنمية الوطنية مؤدين لواجباتهم التكاملية مع بقية مؤسسات الدولة، هذه التكاملية التي أكد عليها جلالته صراحة في نص خطابه السامي والتي هي لب الهدف والغرض من إنشاء هذه المجالس والذي سوف يساهم في النهاية في تحقيق المستهدفات الوطنية المحددة، وبدون هذه التكاملية سوف يكون عمل كل جهة ناقصًا، الأمر الذي سوف يكون له تبعات سلبية على أداء الجميع دون استثناء.

إن تنازع السلطات وتضارب الاختصاصات لن يفيد الوطن بأي حال من الأحوال ولن يخدم القيادة الرشيدة التي وضعت ثقتها في الجميع من منطلق الوعي الذي يميز الجميع ويتفرد به أبناء هذا الوطن، وأن التغريد خارج السرب لن يخرج منه إلا لحن ناشز يفسد عمل المجموعة، ويظهر المحصلة ناقصة، لذلك على أعضاء مجلس عمان أن يعوا ذلك جيدًا وأن يتجهوا بشكل مباشر لأداء أدوارهم وفي القانون ممكنات إن أحسنوا استخدامها فهي كفيلة بتحقيق الغايات والأهداف، فقد أتاح قانون مجلس عمان للأعضاء صلاحيات تمكنهم من متابعة أداء الحكومة بما يكفي لمساندة الدور المناط بجهات آخرى في الدولة، وبما يمكنهم من الاستفادة من هذه الفرصة التي سنحت لهم ليحملوا أمال وتطلعات أبناء الوطن ويجعلهم راضين عما قدموه.

إنَّ الخطاب السامي لجلالته- أيده الله- وضع البوصلة في اتجاهها الصحيح وكان القول الفصل في كثير من الجدل الذي دار خلال الفترة الماضية، وعلينا جميعًا أن نغلب مصلحة الوطن العليا وأن نكون خير عون للقيادة الرشيدة الملهمة، وحفظ الله جلالة السلطان المعظم وأيده بالكفاءات الوطنية المشهودة التي تعينه على تحقيق آمال وتطلعات أبناء عمان الكرام.

تعليق عبر الفيس بوك