إعلام غزة يكشف أكاذيب الإعلام الصهيوني

سالم البادي (أبومعن)

 

الإعلام سلاح ذو حدين وخطير وفتاك، وقد أدى تطور وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في هذا العصر إلى كسر الاحتكار الذي مارسه الغرب عبر عقود من الزمن، حيث سارعت مختلف وسائل الإعلام الرسمية والخاصة والعامة، فضلا عن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكاله بنقل وبث ونشر الصور والمقاطع المباشرة، وتوثيق مجازر الاحتلال الصهيوني الغاشم في "حرب غزة" إلى إظهار الحقائق والوقائع ونقل الحدث أولا بأول، مما شكّل بحد ذاته عاملًا مهمًا في إيصال الحقيقة للعالم.

لا شك في أن الكيان الصهيوني المحتل تلقى ضربة شديدة لم يشهد لها مثيل منذ سبعة عقود لا إعلاميًا ولا سياسيًا ولا عسكريًا في السابع من أكتوبر الماضي، بسبب المفاجأة التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية، وباغتته في مناطقه التي احتلها ومستوطناته التي أقامها على الأراضي الفلسطينية وما صاحبها من اشتباكات عسكرية وقتالية لأول مرة منذ سبعة عقود، بينما كان "العدو الصهيوني" في السابق يقاتل في الأراضي العربية، ويكون الضحايا والأسرى من الفلسطينيين.

هذه الضربة التي قصمت ظهر العدو الصهيوني المحتل يقينا ستبقى في ذهنه لفترة طويلة من الزمن، حتى يأتي أمر ربنا، ويُطْرَد إلى الأبد. وبالتأكيد هذه الضربة ستترك أثرا وجرحا عميقا في نفسية العدو، وستؤثر في ثقة المستوطنين بحكومتهم، وقدرتها في حمايتهم بعدما اهتزت ثقتهم بمؤسساتهم العسكرية والأمنية مما سيجعل بعض المستوطنين يفكر بالمغادرة بلا عودة.

وبطبيعة الحال سارعت معظم وسائل الإعلام الغربية تغطية الأحداث في الأراضي الفلسطينية، وكالمعتاد كانت مطابقة للموقف الرسمي للكيان الصهيوني الذي اعتبر قصف الكيان الصهيوني المحتل من مبدأ الدفاع عن النفس، وظل يكرر الإعلام الغربي السردية الصهيونية التي وصمت المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.

ولتمكين سردية وتبرير قصف الكيان الاحتلال واستهدافه المدنيين العزل والمستشفيات، نقلت وسائل الإعلام الغربية صورًا مزورة قالت إنها لأطفال قطعت رؤوسهم، وأكد الرئيس بايدن مشاهدته لها، لتتبين الحقيقة فيما بعد أنها من صنع (الذكاء الاصطناعي)، وتقوم مذيعة شبكة "سي إن إن" الأمريكية بالاعتذار لاحقا.

في المقابل، سخّرت المقاومة الفلسطينية والنشطاء الحقوقيون ودعاة السلام والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة دفاعية إعلامية تؤكد وتثبت حق الفلسطينيين في أرضهم، واستمرت بنقل الحقائق والوقائع من أرض المعركة بحرفية ومصداقية، وتوثق الهجمات الصهيونية، مع تركيز المقاومة الفلسطينية على مواصلة استمرار حربها النفسية على "جيش الأعداء" عبر إرسال رسائل شديدة اللهجة من المتحدث الرسمي لكتائب القسام وتوعده بتحويل غزة مقبرة لجنوده في حالة توغله البري في غزة، وتكبيده خسائر اقتصادية وبشرية وعسكرية فادحة في حال استمر في إبادة المدنيين، وصدق وعده وبدأ رجال المقاومة يحصدون العشرات من جنود العدو وتدمير آلاياتهم ومدرعاتهم يوميا، وتوثق ذلك إعلاميا، وتبثه عبر وسائل الإعلام أولا بأول، حتى يكشفوا ويظهروا ضعف وهوان وإحباط معنويات جنود جيش العدو المحتل الذي بدأت تتقهقر هيبته وسمعته وصيته أمام رجال المقاومة الفلسطينية البواسل.

ويعدّ هذا تقدما إعلاميا لفصائل المقاومة الفلسطينية وعاملًا مهمًا في "حرب غزة "بعدما احتكر الإعلام الغربي التقليدي الصورة العالمية والسردية لمصلحة "الكيان الصهيوني" منذ زمن بعيد.

وبالرغم من ذلك سعى الكيان الصهيوني بشتى الطرق والسبل إلى توظيف وسائله الدبلوماسية في كسب الرأي العام العالمي والتأكيد على أنه هو الضحية، وأنه ما زال مسيطرًا على مجريات الحرب بقصفه الصاروخي المستمر على القطاع وهدم وتدمير المستشفيات والمساكن على المدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بحجة ضرب رجال المقاومة، ولكن وسائل الإعلام كانت له بالمرصاد، وظلت ترصد حصاد ما يدمره ويقتله هذا العدو المحتل الغاشم الذي لا يراعي الحقوق الإنسانية، ولا يلتزم بالقوانين والأنظمة الدولية.

وكما هو معلوم أن الحرب النفسية والدعاية والإشاعات والمقاطعة الاقتصادية والمناورات السياسية كأساليب يمكن من خلالها إضعاف الطرف الآخر بأي من أساليب التهديد.

فعلى سبيل المثال خسرت أمريكا الحرب في فيتنام؛ بسبب الحملة الصحافية والإعلامية التي أدت بدورها في إحباط النفسية لدى جنودها، وتعلمت أمريكا درسا قاسيا استفادت منه في حروب العراق وأفغانستان، واستعملت ترسانتها الإعلامية، حيث استخدمت وتداولت مصطلحات جديدة للوصول إلى مآربها وتحقيق أهدافها مثل "مكافحة الإرهاب" وشرعنة حربها مع تصدير شعارات إعلامية لإرساء الديموقراطية في الشرق الأوسط أو نزع أسلحة الدمار الشامل وغيرها لتبرير أهدافها.

"الحرب الإعلامية" كان لها الدور الأبرز في "حرب غزة" الدائرة الآن، فقد باتت عاملًا مُهمًا في إيصال رسائل كتائب القسام والمقاومة إلى معقل الإعلام الإسرائيلي بوسائله المختلفة، ونجاحه الكبير في التشويش على العدو، واختراق حسابات إلكترونية من خلال الحرب السيبرانية لشخصيات سياسية وحكومية وإعلامية وعسكرية، مع رسائل تحذيرية من ردة فعل المقاومة؛ مما يجري من تصعيد عسكري على قطاع غزة.

وخلال هذه الحرب تتوالى سقوط أقنعة العدو الصهيوني أمام العالم عن أكاذيبه وتزيفه وتضليله الإعلامي للوقائع والأحداث والحقائق، الذي كان الغرب يعتبره الأكثر صدقا وموضوعية، ولا يأتيه الباطل عن شماله أو يمينه. وسيطرت ترسانته الصحافية والإعلامية على المشهد العالمي في الحقبة السابقة.

بينما "حرب غزة" جاءت لتظهر وتثبت للعالم كذب وخداع وتشويه هذا الكيان المغتصب للقضايا والأحداث الحقيقية عبر الوسائل الإعلامية الحديثة والمتطورة والمبتكرة والذكية والسريعة.

هذه الحرب ليست على الأرض؛ بل في الفضاء الإلكتروني الواسع الذي حول منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب رقمية موازية، يحاول كل طرف فيها كسب التأييد لروايته، معتمدًا مقاطع الفيديو سلاحًا أساسيًا في المعركة.

وفعلًا أصبحت مقاطع الفيديو للحرب المصورة عبر تقنيات وبرامج وأنظمة متقدمة متطورة هي بطل المعركة الرقمية، وبات الكل يستخدمها لتوضيح موقفه في الأزمة، وإبراز الوضع الإنساني، لا سيما للمدنيين في غزة الذين يعانون نقصًا في موارد الحياة الأساسية الضرورية، وأصبح الكثيرون يتداولون ما تنشره القنوات الإخبارية على منصات التواصل الاجتماعي إضافة لمستخدمي المنصات الرقمية الذين كانوا لهم دورا في صناعة المحتوى.

الإعلام أصبح هو السلاح الأخطر والأفتك الذي وُظِّف بفعالية في هذه الحرب؛ فقد استخدمه العدو الصهيوني لتشويه الوقائع، وتحريك الهواجس والغرائز، وإثارة المخاوف، وتبرير التبعية والفساد، باستخدامه فضائيات وصحف ووسائل تتمتع بقدرات إعلامية ضخمة على جميع الأصعدة وبتنسيق محكم فيما بينها.

بينما استخدمتها فصائل المقاومة الفلسطينية في نقل وبث ونشر الصور والمقاطع المباشرة والموثقة لآثار القصف الصهيوني المستمر طيلة شهر دون توقف وإظهار الحقائق والواقع الإنساني المتدهور لأهالي غزة، والدمار الشامل التي تتعمد القوة العسكرية للكيان الصهيوني مواصلته على مدار الساعة.

وأظهرت القوة الإعلامية للمقاومة قدرتها في دحر جيش العدو وقتل وأسر جنوده في كثير من المواقع لإظهار هشاشة وضعف هذا الجيش الذي كان يتباهى به العدو على مر العقود الماضية، فضلا عن نشر المجازر الإنسانية اليومية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل عبر قصفه بأقوى ترسانة صاروخية وبآلاف الأطنان من القنابل، مع تصوير وتوثيق استخدام العدو لأسلحة دمار محرمة دوليًا وإنساني مثل القنابل الفسفورية وغيرها، وهذا كله على مرأى ومسمع من العالم.

وبالرغم من الحقائق والوقائع التي تظهر علنا للعالم كافة، فما زال الإعلام الغربي يواصل سقوطه المهني والأخلاقي بمواقفه المزيفة للواقع والمعادي لحقوق الشعب الفلسطيني وانحيازه مع الكيان الصهيوني المحتل.

فمنذ يوم السابع من أكتوبر الماضي، وهو يخدع العالم، ويزيف الحقائق على الأرض، وما يحدث من إبادة جماعية للأطفال والنساء والشيوخ، والدمار الكبير الذي يخلفه في قطاع غزة وممارسته لأبشع أنواع التطهير العرقي والعنصرية البغيضة، ضد أهالي غزة المحاصرين برا وجوا وبحرا، وعلى مرأى ومسمع من قادة العالم.

بات الإعلام سلاحًا مهمًا جدًا، ومع تطوره وحداثته، إلّا أن حرب المعلومات وتقييد حركة الإعلاميين وتقدم تقنيات الخدع (الذكاء الاصطناعي) سهَّل عمليات تزييف الوقائع والأحداث الحقيقية للتضليل وخدمة المواقف المتحيزة والتأثير في الرأي العام الدولي.

ويحرص العدو الصهيوني على بث أخبار موجهة إلى الفلسطينيين والعرب بهدف تفتيت جبهتهم الداخلية، والتحريض على المقاومة، وبث آثار الإحباط وإضعاف المعنويات، ويجتهد العدو في عدم نشر أي خسائر يتكبدها؛ سواءً مادية أو بشرية بسبب السياسة الضبابية والغموض التي ينتهجها، لأن الإعلام الصهيوني يفرض التعتيم بخصوص ذلك، كي يُحبط من عزيمة فصائل المقاومة الفلسطينية، وحتى لا يثير الرعب والذعر والخوف في المجتمع الصهيوني.

بيد أن فصائل المقاومة الفلسطينية حرصت على التركيز في إظهار الوجه الحقيقي للعدو المحتل من خلال إعطاء مساحة كبيرة للصورة الحقيقية الفعلية لمجريات المعركة وتقديمها باستمرار للعالم بصورة واقعية ومباشرة في بعض الأوقات؛ حيث امتاز الإعلام الفلسطيني بالدقة والجودة العالية في عملية تصوير العمليات القتالية، حيث أوضحت دقة تصوير المشاهد التي نشرتها المقاومة أنها تستهدف الجنود المدججين بالسلاح، والذين يشكلون خطرًا واضحًا، وليس المدنيين كما يفعل العدو الصهيوني.

وكان اختيار المواقع موفقًا للمقاومة، والذي انعكس ذلك على التقاط مشاهد نوعية أظهرت مدى حجم الخسائر وطبيعتها. كذلك كان لاختيار توقيت نشر المواد المصورة للمعركة دليلًا على تفوقها إعلاميًا واستخباراتيًا وأمنيًا.

تنتصر غزة إعلاميًا؛ لأنها الصمود والعزة والشموخ والإرادة والعزيمة، إنها لا تقاوم الكيان الصهيوني قط؛ بل تقاوم غزة القوى التي تشاركه وتدعمه عسكريًا واستخباراتيًا وأمنيًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا وعتادًا.

نعم.. انتصر إعلام المقاومة الفلسطينية، وسينتصر يومًا بتحرير أرضه وطرد المحتل من كل شبر من أرض فلسطين.

غزة تبقى ويرحل المحتلون.