حيدر بن عبدالرضا اللواتي
هناك قائمة من الدول والشخصيات التي يجب محاسبتها بعد توقف هذه الحرب الدنيئة التي تقع على غزة الصامدة منذ بدء العمل البطولي "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الجاري.
وهنا نستنكر أي عمل عدائي ضد الأبرياء أياً كان منهم، إلّا أن الذي أوصل الفلسطينيين بغزة إلى شن الحملة على المجندين في الدولة الصهيونية تلك الممارسات الرذيلة والمخلة والاستفزازات المستمرة ضد أبناء فلسطين منذ عقود عديدة. والكل يعلم بأن الممارسات العدائية لإسرائيل ضد الفلسطينيين تتم باتفاق ومساعدة أمريكية والدول الغربية التي هرول زعماؤها مؤخراً إلى زيارة هذا الكيان الصهيوني للوقوف بجانب حكامه، وهم المعروفون بممارستهم لأبشع أنواع القهر والظلم والاستبداد ضد أبناء فلسطين.
لقد كشفت هذه الحرب المستمرة على أبناء غزة الصامدة، التواطؤ والنفاق اللذين أبدتهما تلك الدول وشخصياتها في الهجمة على غزة في خضم هذه المعركة المصيرية للأمتين العربية والإسلامية بعد انصياع هؤلاء الأشخاص والدول للموقف الأمريكي الداعم للدولة الصهيونية التي تعربد في المنطقة منذ أكثر من 75 عاما مضت.
أولى تلك الدول هي أمريكا وبجانبها الدول الأوروبية التي تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام والعدالة في وسائل إعلامها، والتي منذ أول لحظة أعلنت عن تقديم دعمها الكبير لإسرائيل في هذه الحرب التي يخوضها الفلسطينيون من أجل الحرية والحصول على حقوقهم المشروعة. وهنا لا نشير إلى دولة بعينها، ولكن شعوب العالم تتابع هذا الدمار الذي ينتج عن تلك المواقف المخزية ضد أبناء فلسطين الأبرياء من القتل اليومي للأطفال والنساء والشيوخ ليل نهار دون إصدار أية بيانات تندّد بهذه الأعمال الإرهابية لإسرائيل. وبذلك فإن هذه الدول والشخصيات أصبحت اليوم مساهمة ومشاركة في جريمة الإبادة الجماعية وبشهادة مواطينها الذين يخرجون يومياً في مسيرات ومظاهرات مناوئة ضد حكوماتها، وبما تقوم به إسرائيل ضد أبناء فلسطين سواء في غزة أوغيرها من الأراضي العربية المحتلة.
لقد رأينا زعماء أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم من مسؤولي الاتحاد الأوروبي يهرولون إلى إسرائيل للوقوف بجانبها، ناسين بذلك أن ما قام به أبناء غزة ما هو إلّا رد فعل تجاه الهجمات والقتل والفتك والتعذيب الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى هذه اللحظة، دون أن تتمكن تلك الدول من حل تلك القضية العادلة بالرغم من المؤتمرات والقمم التي عقدتها في أروقة الأمم المتحدة من أجلها.
اليوم.. نرى عدة شخصيات أوروبية تحاكم بعضها البعض نتيجة قيام دولها بالوقوف بجانب إسرائيل وبتلك الصورة الفاضحة واتهام حركة «حماس» فقط بالإرهاب، وكأن الدولة الصهيونية بعيدة عن ممارسة الإرهاب اليومي مع أبناء فلسطين. بعض الدبلوماسيين الأوروبيين في تلك الدول يرون ذلك خروجًا عن مبادئ الاتحاد الأوروبي ووساطته المتعارف عليها، فيما بدأ البعض بتوجيه اللوم والانتقادات لزعمائهم بسبب بعدهم عن الحياد وما يجري من سفك دماء طاهرة في غزة. كما نرى مواقف محايدة من موظفين في الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية تجاه هذه القضية وهم يبدون اعتراضهم على تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية التي قالت في بداية الأزمة بأن «أوروبا كلها تدعم إسرائيل»، الأمر الذي دفع الموظفين في الاتحاد لتقديم رسائل اعتراض على تلك المقولات، واعتبار هذه المواقف منحازة لجهة على حساب الجهة الأخرى.
مثل هذه المواقف تكشف وجود حالات الفوضى في التعاطي مع قضية غزة، وأمر فاضح للمعايير المزدوجة التي تمارسها تلك الدول فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية منذ أكثر من سبعة عقود، والحصار على غزة منذ أكثر من 17 عامًا، بينما يتعاملون في حرب روسيا وأوكرانيا على أن موسكو تمارس أفعالًا إرهابية وغير إنسانية!!
إن قضية حصار غزة والحرب اليومية الدائرة بها سوف تُسقط الكثير من الأقنعة والأنظمة والشخصيات السياسية في السنوات المقبلة، فيما تعزّز هذه الحرب ضرورة التمسك بمبادئ السلام والعدالة وحقوق الإنسان، والعمل والوقوف بحزم ضد أية انتهاكات ترتكب في حق البشرية، إضافة إلى عدم اتخاذ أية مواقف مؤيّدة للذين يمارسون الإرهاب والقتل والفتك في العالم كما تقوم به إسرائيل حاليًا.
دول العالم عليها اليوم الالتزام بالاتفاقيات والقرارات التي اتخذها المجتمع الدولي وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى اليوم؛ بهدف تعزيز مصداقية هذه القرارات والوصول إلى العدالة والسلام العالمي وفق قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، لتعيش الشعوب بسلام جنبًا إلى جنب مع بعضها البعض.