"فلسطين داري ودرب انتصاري"

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

قديما كانت حكايات الجدات والأمهات عن الضمائر الحية وبلاد النضال والزيتون والمعالم الإسلامية والتاريخية بفلسطين، وصوت الثكالي والناي الحزين وبكاء الطفل ونحيب الأمهات، وتضحيات الرجال، وملاحم الفداء والبطولات، يصطحبنا في هدهدات الليل وتهويدات ما قبل النوم والسفر المؤقت، الذي من خلاله كنا نغط في سبات عميق، حتى يخلع الليل سجاله وظلمته وعتمته وسجاياه، وتنهى في سويعاته أحاديث العشاق وتأملات الحالمين على قارعته، التي عادة ما تكون متنوعة بحسب الحال والمشاعر والأحاسيس وقتئذ، وبعض منها كان ممهورا بالكثير من المآسي والمحن والأتراح والأحزان وألم الفراق، الذي كان يتلظى شيء منه على مشاعر مسلوبة محرومة مجروحة، تتغذى بقاياها على الأسى والوجع والوهن والضعف وقلة الحيلة والعوز، وتشغل بأثرها وبمؤثرها مساحات الفكر وأعماق القلوب.

وفي هكذا ظروف ومواقف هناك من يتنعم بالجمال والحب والراحة، غير آبه بغيره، ومن قساوته، لم يكن مستشعرا بخيره، وكان لديه قسط وفير من الأمان والحياة الصاخبة المرفهة والعيش الكريم، بينما نجد في الوجه المقابل لذلك، من كان يتسمر في مخدعه مكلوما محزونا مهموما، جافى النوم عينيه، ومعدته خاوية فارغة لانعدام الزاد والقوت، ينتظر أن يخلع الليل حجابه، لكي يزهر بعده وجه الفجر الذي يبدأ الأصحاء بالنشور فيه، طلبا للرزق وسعيًا لسد الحاجة.

منذ قرون عديدة والعالم في أجزاء منه يتقدم ويتنامى ويتحدث وينهض، بينما في أصقاع أخرى منه، يتساقط مجاهدون وفدائيون وأحرار وناس وحكومات، وتنهض في سدة الحكم والسلطة، مجموعة جديدة من البشر، من منهم مضى بما عندهم ولديهم، بينما بعضهم لا زال جاثما على صدور الأحرار والشرفاء والأبطال والمستضعفين، يمثل دور المحب والغيور، والقائد الناجح والرئيس الفالح. وكانت الفترة الزمنية القديمة التي ولت، تعج بالجهل والتخلف في بلدان كثيرة، منها مثلا ما كان عندنا في الخليج العربي، وكان الأطفال في مدارسهم آنذاك، يسمعون عن نضال الفلسطيينين ودولة الاحتلال واليهود الذين ساندتهم وتساندهم حتى اليوم دول كثيرة، اختارت التطبيع الكامل، لأنها ترى مصالحها لديها. فاليوم تتوالى الأحداث في أصقاع المعمورة، وطفلنا يكبر على جرح الوطن العربي الذي يموج بخلافات شتى، وبصراعات إقليمية ودولية قهرية، وبنزاعات مسلحة ولفظية مفخخة، أفشلتنا وذهبت بهيبتنا وببريق وحدتنا.

منذ طوفان الأقصى وفلسطين تعيش حربًا لا هوادة فيها، وتعيش خذلاناً منقطع النظير من السلطات والحكومات العربية والإسلامية المهيمنة على إرادة شعوبها، والتي تحترق على ما يجري في فلسطين من عدوان غاشم وتهجير وترويع للآمنين، الذين يعيشون في بلد مسلوب الحرية والحقوق، ويتنقلون في أوضاع مأساوية جدا؛ فإسرائيل انتهكت حرمات الجوامع والمساجد ودمرتها، وقتلت النساء والأطفال بدون وجه حق، ونحن نشأ ناشيء الفتيان فينا، مؤمنا بهذه القضية المحورية، ألا وهي قضية فلسطين، معتبرا إياها دولة ذات سيادة، وقد احتلت إسرائيل أراضيها بالقوة، وإن حق مواطنيها مسلوب.

إننا ونحن نشاهد المجازر البشعة التي ترتكبها إسرائيل، فليس بمقدورنا فعل شيء، إلا الدعاء لهم، والخروج في مظاهرات واعتصامات سلمية، نرفع فيها شعارات الرفض والتنديد بما يحصل لإخواننا المسلمين في فلسطين، ونشجب وندين الكثير من المواقف والقرارات والتصرفات والأوامر والممارسات المتعجرفة، الخارجة عن القانون، وتنادي بالاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة وعاصمتها القدس. لقد خسر الشعب الفلسطيني الكثير ولا زال يخسر ويهان ونحن نتفرج وليس بالإمكان نصرته إلا بالدعاء والمعونات الغذائية وغيرها، لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ". ولكي نحصل على التمكين والنصرة، علينا أولا أن نطلب القوة والعون من الله تعالى، شريطة أن نقوم ونتقيد بأوامره ونواهيه ومن ثم "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ".

إن الشغل الشاغل للشعوب العربية الآن وبعض المتضامنين معها من غير العرب، هو القيام بأقل ما يمكن عمله مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الغاشم إن كان ذلك يجدي نفعًا؛ فالمسجِد الأقصى أحد المساجد الثلاثة التي يشد المسلمون الرحال إليها، كما قال نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، تحت سيطرة اليهود، فهل برأيك عزيزي القارئ ستكون لدينا مستقبلا القدرة على تخليصه منهم، وهل سنعتصم بالله ليأتينا النصر، أم سنظل على ما نحن عليه نندد ونشجب وندين ونتحدث أكثر مما نفعل.

تعليق عبر الفيس بوك