نظرة الصين إلى آفاق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

تشو شيوان **

 

تتساءل الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية وحتى الشعبية في الشرق الأوسط حول رؤية الصين لآفاق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما وجهة نظر بكين إزاء هذه الأزمة التي تُلقي بظلالها الصعبة على منطقة الشرق الأوسط، وتعيد المنطقة لحالة الغليان من جديد بعد سنوات من محاولات التهدئة.

الصين لديها نظرة خاصة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتعمل من خلال مسؤوليها لوقف حالة الحرب وحماية المدنيين بالدرجة الأولى. ما أجده مهمًا الكلمات التي قالها مبعوث الحكومة الصينية الخاص للشرق الأوسط تشاي جيون، الذي حضر قمة القاهرة للسلام حول القضية الفلسطينية في حديثه أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده في السفارة الصينية بجمهورية مصر العربية، للإجابة على أسئلة الصحفيين بشأن الوضع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي؛ حيث أكد أنه "يجب على المجتمع الدولي أن يكون يقظًا وأن يتصرف فورًا لحث جميع الأطراف المعنية على الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، وبذل كل جهد ممكن لتجنب وقوع كارثة إنسانية خطيرة، والعمل معاً لإدارة الوضع ومنعه من الخروج عن نطاق السيطرة".

الخروج عن السيطرة بات "قاب قوسين أو أدنى"- كما يقولها الأصدقاء العرب- خصوصًا وأن الصراع بدأ يمتد إلى مناوشات خطيرة على الحدود اللبنانية وبعض الهجمات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وهذا ما قد يأخذنا لحالة خطرة لو استمر الأمر على ما هو عليه خصوصًا ونحن نشاهد جهودا دولية غربية تنجذب نحو طرف على حساب طرف آخر.

في حديثه أيضًا قال تشاي جيون، مبعوث الحكومة الصينية الخاص لقضايا الشرق الأوسط: "ستواصل الصين في المرحلة المقبلة الحفاظ على اتصال وثيق مع جميع الأطراف في المجتمع الدولي، بما في ذلك البلدان العربية، والعمل بشكل مشترك على تهدئة الوضع في أقرب وقت ممكن، وتعزيز جهود وقف إطلاق النار ووقف الحرب، ومنع توسع الصراع، وتجنب المزيد من الكوارث الإنسانية الخطيرة، واستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط في وقت مبكر"، وهذا ما حدث فعلًا قبل يومين أجرى وزير الخارجية الصينية وانغ يي محادثة هاتفية مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، وقال إن الصين تدعو إلى عقد "مؤتمر سلام دولي أكثر حسما وفاعلية وأوسع نطاقا" في أقرب وقت لتعزيز استئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في حين أكد أن لأي دولة "الحق بالدفاع عن نفسها" لكنها يجب أن تلتزم بالقانون الدولي في مكالمة أخرى مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، وهذا يثبت أن الصين تنظر للصراع من جميع جوانبه وتجعل جميع الأبواب مفتوحة للوصول لسلام ووقف إطلاق النار.

الصين تتصرف حيال هذه القضية ضمن مسؤوليتها كدولة كبرى وتتعامل مع جميع الأطراف بنفس القدر من التساوي وبحيادية وموضوعية؛ فالصين هدفها الأساسي ليس دعم طرف على حساب طرف آخر وليس لديها أية نية لدعم الصراع الدائر ولا بأي شكل من الأشكال، بينما تحاول جاهدة الوصول لحلول سلمية ودفع المجتمع الدولي للتحرك بشكل سريع قبل خروج الوضع عن السيطرة أو الوصول لأزمة إنسانية لا يُحمد عقباها.

الصين ليس لديها أية مصالح أنانية تجاه القضية الفلسطينية، إنما تتطلع للوصول لحل عادل وشامل يتفق مع القوانين الدولية والإنسانية وينهي الصراع ويحمي حياة الأبرياء والمدنيين ويفك الحصار عن غزة، وهذه الجهود ليست بالأمر الهين في هذه القضية الصعبة والطويلة تاريخيًا، ولكن الصين تؤمن بشدة أن السلام هو أقصر الطرق لتحقيق المنافع المتبادلة والوصول لمجتمع دولي أكثر عدلًا وموضوعية.

الصين تنظر لهذه القضية في هذا التوقيت بالذات من جانب إنساني بحت خصوصًا والعالم يشاهد توجها إسرائيليا لتطبيق سياسة الأرض المحروقة ما يعني أن سكان غزة مقبلون على ما هو أخطر وأعنف والحديث هنا عن القصف الإسرائيلي لأكثر من 18 يومًا، وهذا يضعنا أمام احتمالات عديدة مفادها أن الوضع الإنساني سيتأزم يوماً بعد يوم هذا ما ينذر بكارثة إنسانية كبيرة إذا لم نوجد حلًا سياسيًا أمميًا ينقذ حياة الأبرياء ويسمح بإقامة ممرات آمنة لوصول المساعدات، وهذا ما تعمل الصين على إيجاده وفق سياساتها الخاصة وبطريقتها الخاصة التي تعتمد أولًا وأخيرًا على الحوار ووضع الإنسان وحياة المدنيين في المقام الأول، وهذا ما تفتقر له سياسات بعض الدول الغربية الكبرى التي تغذي الصراع وتحرك جيوشها من أجله.

الصين مواقفها مختلفة وطريقة عملها مختلفة، والجانب الفلسطيني يرحب بالعمل مع الصين كوسيط سلام وهناك توافق فلسطيني بأن الصين قادرة على لعب هذا الدور لكونها حيادية وموضوعية، وهذا ما ننتظر حدوثه في قادم الوقت.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية