"إذا جاء نصر الله والفتح"

 

ماجد المرهون

 

أبو عبيدة قال.. والحق ما قال أبو عبيدة

 

أراد الملك الفرنسي المتعصب لويس التاسع استيفاء نذره حال شفائهِ، البدء بمصر، في حملته الكبيرة على المشرق الإسلامي، ولتسهل عليه لاحقًا بقية الممالك، حين عَلِمَ بضعف وتخاذل الكامل الأيوبي ملك بيت المقدس، فسخَّر الله عليهم فيضان نهر النيل، ثم المحنك توران شاه وجيش المماليك في معركة فارسكور؛ فقتلوا روبرت دي أرتوا أخو الملك لويس، وسيق الأخير هذا مُكبلًا خانعًا إلى المنصورة- نصرها الله- ليُسجن في دار القاضي فخرالدين بن لقمان، والعرب لا تقتلُ أسيرًا وإن كان ملكًا.

لم يتطلب الأمر منَّا قرونًا مُتطاولة أو أزمانًا متباعدة حتى نؤكد ذلك بالاستقراءات التاريخية أو الرؤى التحليلية؛ حيث رأينا مباشرةً صنفين من الضعفاء سريعي التخاذل ممن لا يؤمنون بإعداد العدة حسب المُستطاع، والأخذ بالأسباب، ومن يرضخون لمبدأ الردع المتكافئ، بحسب القانون العسكري الدنيوي، وإقصاء التوكل على الله، وذلك في اثني عشر يومًا فقط! إذ اتخذوا النافقاء خطةً للدخول، والقاصعاء للعودة، وها هم يواصلون إرجافهم وتشكيكهم من فوق آرائكهم الوثيرة وفي غرفهم الفارهة وبيوتهم المكيفة.

سينصر الله عباده المجاهدين في فلسطين ويُعِزَ جنوده المرابطين ويذل الخانع، كما أذل لويس والكامل، وسيحفظ التاريخ أسماء وصور من يقول إن قوة المقاومة لا تُضارعهم، عندما يشتد الوطيس، والناقص مرده للخذلان ودرك الوهاد "وبئس المهاد"، حتى إذا سحت سحائب القسام سيجدونها تساويهم؛ بل تساميهم وستعصف بهم كتائب الأحرار وعزيمة الإصرار، عصفًا مأكولًا، ويساق الذين تجبروا وطغوا إلى جحورهم كالفئران، ولن يجدوا ساعتها حلم توران وعلم ابن لقمان، وعندها سينافق أتباعهم من المغرضين مع القوارض في نكسة الذل والهوان واليرابيع لا تستنكف النفاق.

شكرًا رجال غزة، أنجبتم أبطال الشهامة، شكرًا نساء العزة وأطفال الكرامة، فقد أوهم الخونة العالم بكلمة الإرهاب، وضللوهم عندما كان الحصار عليكم غضًا طريًا، وها نحن اليوم نراكم وقد استويتم على سوقكم وجاش بأسكم ورُفع رأسكم فلله دركم.

هل رأيتم أنبل من أحفاد الفينقيين الكنعانيين الذين أعزهم الله بالإسلام ونصرة الحق والدين؟!

ليلةٍ قريبةٍ يقيمونها في بيوتهم المهدمة سجودًا لا يعد ولا يحصى، ثم يختمونها "والفجر وليالٍ عشر" ويهبون بين الظهر والعصر إلى قبلتهم الأولى في المسجد الأقصى لصلاة النصر، ويصلونها لحين الشفعِ والوتر، ويسحبون بحمد ربهم حتى تطلع عليهم شمسٌ غابت لسبعة عقود ويستغفرونه "إنه كان توابًا".