فلسطين.. القضية والمصير

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

"ما هو الوطن؟ هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض. ليس الوطن أرضًا. ولكنه الأرض والحق معًا، الحق معك، والأرض معهم" محمود درويش.

ترددتُ كثيرًا في الكتابة عمّا يجري في فلسطين هذه الأيام، كان مصدر هذا التردد هو الخوف من عدم إعطاء هذه القضية ما تستحقه من كلمات، وعدم إضافة ما تستحقه من معلومات قد تكون خافية على القارئ الكريم، ولكن بعد تردد قررت أن أكتب ولكن من زاوية مختلفة، لن أتحدث عن جرائم المحتل الصهيوني الغاصب، ولن أتحدث عن جرائم الإبادة الجماعية وقصف المدنيين والعزل وقتل الأطفال الأبرياء؛ بل حتى لن أتحدث عن كذب الآلة الإعلامية الصهيونية ومحاولتها طمس الحقائق ولن أكتب حرفًا واحدًا عن صمت المجتمع الدولي ومساندته للصهاينة ودعمه لهم بالعدة والعتاد على مرأى ومسمع العالم الذي يبدو أنه لا يُريد هو الآخر أن يزعج نفسه بقضية شعب عربي مسلم يعدونه زائدا عن حاجة العالم.

سأقول لكم شيئًا أخير، وهو أنني حتى لن أكتب عن المخدوعين والمبهورين بالعالم الغربي وديمقراطيته وحرية التعبير فيه ومثاليته وكماليته التي أصموا بها أذاننا مع كل حديث لهم عن الغرب الجميل، لن أتحدث عن كل ذلك ولكن لا بأس أن تجعلوه في عقولكم فقد نحتاجه يومًا ما ليكون عذرنا في استئصال هذا السرطان الغاشم.

سأكتب عن فلسطين الجميلة، فلسطين التي كانت تُعد حاضرة الشرق ونموذج التطور الحضاري والثقافي والعمراني، فلسطين التي كانت تمتلك ميناء في مدينة حيفا يعد من أهم مواني العالم في ذلك الوقت حيث كانت تصدر منه البضائع إلى كثير من دول العالم الغربي وكانت تمر منه البضائع لتعبر بين الشرق والغرب وكانت صناديق البرتقال تصدر ليأكل العالم من خيرات فلسطين، ليست حيفا وحدها التي كانت تنتج بل الكرمل وجنين ويافا وبيسان كانت تزرع وتحصد محصولات عالية الجودة وكانت مصانعها تحيك أفخر الأقمشة وكانت تشع بالحياة والجمال والأناقة.

يافا المدينة الكنعانية القديمة التي أسسها الكنعانيون قبل آلاف السنين هي الأخرى كانت جميلة وزاهرة وكانت تضج بالحياة قبل أن يستولي عليها يهود مهاجرون من أطراف العالم وينشئون مستوطنات على أطرافها وشيئًا فشيئًا يحولونها إلى ما يعرف اليوم بتل أبيب، نعم لم تكن هذه المدينة موجودة قبل 75 عامًا لذلك لا تقارنوا بينها وبين يافا وتذكروا دائمًا أنَّ هذا الأسم سيعود يومًا ما ولن تطمس هويته مهما كثر عددهم، فالفلسطيني يرتبط بأرضه ارتباط الطفل بوالدته ومهما غاب فعندما يعود يستحضر كل مشاعره وحبه وعشقه الذي اختلط بمكونات جسده.

فلسطين قضية وجود وارتباط بأرض كانت تهوي إليها الأفئدة وتتطاول إليها رقاب المسلمين عند كل حديث عن قصة الإسراء والمعراج، فالقدس مهما حاولوا تشويه هويتها لن تكون جورشاليم رواياتهم وقصصهم وأحلامهم، القدس مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هكذا تعلمنا وهكذا رسخت في أذهاننا، ولن تتغير وأما هيكلهم المزعوم ومعركة هرمجدون ما هي إلا خيالات نسجوها ليستغفلوا مساكينهم الذين جعلوهم عبيدًا لهم من خلال كل هذه الأساطير التي أخترعوها عبر التاريخ ومازالوا هم والغرب على نهجهم منذ أكذوبة صكوك الغفران وأباطيل أسفارهم المزيفة.

إن فلسطين هي قضيتنا وليس غزة، ولنحذر من محاولة اختزال هذه القضية في ركن قصي من فلسطين الكبرى، فكما أن لهم مطامع جسدها علمهم الذي يرمز خطاه إلى دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من نهر النيل إلى نهر الفرات؛ حيث يمثل كل خط أحد النهرين وتتوسطه نجمة داود البريء من أفعالهم كبراءة يعقوب عليه السلام مما أقترفته أياديهم النجسة المدنسة بدم الأبرياء، وعلينا أن يكون هدفنا عودة فلسطين بكامل أجزائها من أول نقطة في مدينة صفد الحدودية إلى آخر جزء من صحراء النقب على حافة خليج العقبة، هذا ما يجب أن نزرعه في عقول النشء حتى يقول محمود درويش من تربته "الحق معنا والأرض معنا"، والله غالب على أمره.

تعليق عبر الفيس بوك