تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

بالرغم من المآسي والكوراث الإنسانية التي تتركها الحرب الدائرة على غزة الصامدة من قبل الدولة الصهيونية ومن رائها أمريكا والدول الغربية، إلّا أن لهذه الحرب عواقب وآثارًا اقتصادية كبيرة وسيئة على الجانب الإسرائيلي على المدى الطويل، وكذلك على الجانب الفلسطيني والعالم أجمع.

وهناك مخاوف عديدة بشأن الكيفية التي يمكن أن يؤثر بها القتال الطويل على اقتصاد إسرائيل التي لم تحقق شيئًا من الحرب الدائرة منذ أكثر من اثني عشر يومًا، إلا بتعزيز غاراتها الجوية المتكررة على غزة الصامدة وقتل الأبرياء الفلسطينيين من الرجال والنساء والشيوخ وهدم المنازل والقاطنين بها وتسويتها مع الأرض. ومقابل ذلك تتلقى بلداتها ومستوطناتها صواريخ قريبة وبعيدة المدى التي تخلّف هي الأخرى دمارًا ماديًا في تلك المدن المحتلة، وتعطّل الحياة الاقتصادية والتجارية اليومية.

التداعيات الاقتصادية السلبية لهذه الحرب على الجانب الإسرائيلي تأتي نتيجة استدعاء أكثر من

350 ألف جندي احتياطي للخدمة لمواجهة الفلسطينيين؛ أي نحو 3% من إجمالي السكان البالغ عددهم 9.8 مليون نسمة؛ حيث تتكون فئات هؤلاء الأشخاص من الاحتياطي من المعلمين والعاملين في عدة مجالات أخرى تشمل أصحاب المشاريع الناشئة والمزارعين والمحامين والأطباء والممرضين والعاملين في القطاعات السياحية والمصانع والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات الأخرى. ويترك استدعاء هذا العدد الضخم من الأيدي العاملة وإخراجها من العملية الإنتاجية تأثيرًا مباشرًا على الحياة اليومية للمجتمع الاقتصادي الإسرائيلي، ويحدث نقص مفاجئ في القوى العاملة وفي أوضاع كثير من الشركات الإسرائيلية، الأمر الذي يشكّل تكلفة مالية كبيرة لتلك المؤسسات،  وحدوث تأخير في إنجاز المشاريع وزيادة مستويات التوتر وعدم التوازن في المجتمع الإسرائيلي.

ويتوقع بنك "هبوعليم"- الذي يعد واحدًا من أكبر البنوك في إسرائيل- أن تصل تكلفة الحرب بين إسرائيل وحماس أكثر من 27 مليار شيكل (أي حوالي 7 مليارات دولار أمريكي)، وتشكّل هذه التكاليف في الوقت الراهن وعلى تقدير تقريبي بنحو 1.5% من الناتج المحلي الاجمالي لإسرائيل، الأمر الذي يعني زيادة في عجز موازنتها بنسبة لا تقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016. ويرى الخبراء بالبنك أن التأثير الرئيسي سيكون محسوسًا في أرقام الاستهلاك الخاص للإسرائليين وفي قطاع السياحة والمعرفة، في حين أن تدفق الجيش الاحتياطي لهم سيؤثر على الاقتصاد بشكل عام، في الوقت الذي تشكّل فيه الحرب تعقيدات أخرى وتجعل سلام الشرق الأوسط أكثر بعدًا واستحالة، وتوجه ضربة مؤلمة وكارثية للاقتصاد الإسرائيلي، وتكون نتائجها مختلفة عن الحروب السابقة مع الدول العربية.

وعلى مستويات أخرى، تشهد العملة الإسرائيلية منذ بداية العام الجاري انخفاضًا في قيمتها نتيجة للاحتجاجات ضد مخطط الحكومة لإصلاح القضاء، لتزيد الأزمة الحالية من فقدان هذه العملة بنحو 3.1% من قيمتها وتصل إلى أدنى مستوى له في مواجهة الدولار منذ 2016. وقد سبق للبنك المركزي الإسرائيلي أن حذر في أزمة الاحتجاجات السابقة من أن الاقتصاد الإسرائيلي معرض لخسارة 14 مليار دولار أمريكي، في حين تمثل الأزمة الحالية مؤشرًا كبيرًا في تراجع النمو الاقتصادي لإسرائيل خلال العام الحالي والأعوام المقبلة، وأن يصاب قطاعها التكنولوجي المعروف بصعوبات جمَّة خاصة وأنه يمثل 40% من النمو الاقتصادي، مع تفاقم أسعار الفائدة المرتفعة على البنود الاستهلاكية العالمية.

لقد أدى "طوفان الأقصى" إلى قيام البنك المركزي الإسرائيلي ببيع نحو 30 مليار دولار من العملات الأجنبية لدعم الشيكل ومنع انهياره؛ حيث تعد هذه الخطوة الأولى في تاريخ الحروب الإسرائيلية في قطاع غزة. ويرى بعض الخبراء أن الحرب الإسرائيلة القائمة على غزة اليوم ستدفع رؤوس الأموال الأجنبية للفرار وخاصة في القطاعات المعروفة مستقبلا في حال طال أمدها دون تحقيق نتائج مرجوة، في الوقت الذي يعتقدون أن التكلفة الاقتصادية لها ستصل ما بين 10 إلى 14 مليار دولار، ومن المحتمل أن تزيد عن ذلك في حال اتساع نطاقها لتشمل دولًا أخرى.

لقد أدى "طوفان الأقصى" إلى تعرُّض سوق الأسهم والسندات المحلية بإسرائيل إلى هزة شديدة، وتراجع مؤشراتها خاصة في قطاعات البناء والتشييد والتأمين، في الوقت تدفع هذه الأزمة إلى هجرة الكثير من الإسرائيليين الذين قدموا من مختلف العواصم الغربية إلى دولهم، ومن ثم يصاب قطاعات العقار والبناء والسياحة بنتائج سلبية كبيرة، خاصة وأن العديد من شركات الطيران العالمية توقفت من القدوم إلى تل أبيب، الأمر الذي يؤدي بالعديد من القطاعات السياحية المرتبطة مع الطيران والفنادق بخسائر كبيرة، وتتطلب وقتًا لتتعافى سوقها المالية والسياحية.

وأخيرًا.. إن المسؤولين في صندوق النقد الدولي يرون أن الحرب الحالية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية سوف تزيد قتامة آفاق الاقتصاد العالمي، الغائم بالفعل، وسيكون لتلك الحرب تأثيرات على أوضاع اقتصادية وجيوسياسية على دول الشرق الأوسط وغيرها، وخاصة على أسواق النفط وأسواق المال والتجارة والنقل؛ حيث من المتوقع أن يتراجع النمو إلى 2% خلال العام الحالي 2023، مقارنة بنحو 5.6% العام الماضي.