الكرة العُمانية وبرانكو في الميزان

 

 

أحمد السلماني

 

أفرزت خسارة الأحمر الكبير من نظيره الأمريكي برباعية قاسية الكثير من الآراء المتباينة حول من هو المسؤول عن هذه الخسارة الثقيلة، ويبدو أننا كنَّا بحاجة إلى "هزة قوية" كهذه لنستفيق وليظهر لنا جميعًا الخلل الكبير الذي تعاني منه الكرة العمانية وكانت نتائج المنتخب قبل ذلك عبارة عن غطاء يخفي تحته "عوار اعتراه الصديد"  وعذرًا على التشبيه.

واتجهت أسهم النقد في غالبيتها نحو مدرب المنتخب الكرواتي برانكو واختياراته من اللاعبين، وأنا هنا لست في موقف الدفاع عنه ولا أبرئه، ولكن الحقيقة هي أنه يتحمل جزءًا من المسؤولية فقط، فطريقة تدريبه واختياراته هي حق أصيل له ويتحمل نتائجها بنفسه لاحقًا، فكيف مرّت ودية أمريكا على مدرب محنك وخبير بأن يذهب بلاعبين هواة لم يعتادوا على مثل هكذا رحلات طويلة ليواجه منتخبًا تصنيفه الـ11 عالميًا فقط تلبية لدعوة الأمريكان، نُريد مثل هذه التجارب القوية شريطة التخطيط الجيد والمسبق لها، المسؤولية مشتركة بين برانكو وإدارة المنتخب.

على كل حالٍ، ما حدث طبيعي جدًا في مؤسسة تعمل وفق نهج "ردات الفعل"!! ومباراة أمريكا لم تكن يومًا ضمن برنامج إعداد المنتخب هذا إن كان هناك برنامج إعداد دقيق وبروزنامة مباريات تعد الأحمر للمعارك القادمة تتجاوز لبنان وفلسطين وسوريا مع كامل التقدير.

من حق الوسط الكروي والجماهير أن تحلم بالوصول لكأس العالم، لكن الغريب في الأمر أن يقتنع كثيرون- ومنهم إعلاميون- بأننا نستطيع أو سنصل فعلًا، وكأن بطاقة الوصول للمونديال قد تصلنا بالبريد المستعجل! على أساس الثمان بطاقات ونصف لآسيا. علينا أن نهدأ قليلًا ونفكِّر بميزان العقل، بالمنطق والأرقام والتاريخ؛ إذ هناك تقريبًا 5 بطاقات معروفة لمن، وما تبقى فالآخرون يفكرون مثلنا، ومع ذلك فالطموح حق مشروع للجميع.

ما حدث وما سوف يحدث، ورغم محاولات بعض الإعلام تحسين الصورة، إلّا أنه ووفق المعطيات؛ فالحقيقة المُرّة تقول إنه وبهكذا عمل لن نذهب أبعد من الكويت وكأس الخليج، فالمسابقات عندنا ضعيفة، هناك 24 ناديًا من أصل 44 تنافس في المسابقات، وأندية أخرى جمدّت فريقها الأول، وأخرى قادمة في المواسم الآتية، ومنتخبات الفئات السنية الثلاثة فشلت في الوصول للنهائيات وذهبت وتلاشت أحلام التأهل مع الريح، ولا أحد يعلم مصيرها ومستقبل لاعبيها، ثم تريدون أن نصل إلى كأس العالم!!

هناك من يتفلسف ويلوم المدرب برانكو إيفانكوفيتش، الرجل أدرك هذا الأمر من البداية وبعد ولاية تدريبه الأولى، "تراه غوازيه محصلنها وبيحصلها".

وكنت أعتقد أن اتحاد الكرة ومع حركات التصحيح التي نلمسها قد وجد ضالته عندما بدأ مشروع تأسيس منتخب الناشئين الحالي؛ إذ إن القائمين عليه جابوا البلاد من الشمال إلى الجنوب وخرجوا لنا بـ"صفوة الصفوة" وفق تصريحاتهم، ونتمنى أن لا يكون هناك من سقط سهوًا بطريقة أو أخرى، وهو أفضل ممن تم استدعاؤهم. هذا عمل جيد لكنه مشروع مبتور وناقص وضلَّ طريقه، وعاد بنا للمربع الأول للأسف!

كنت أتمنى أن تستمر التجمعات المناطقية مع مدربين آخرين وأن نشكّل أكثر من منتخب، وأن نبدأ حتى من البراعم. سبق وأن كان لدينا مشروع ممول من الاتحاد الدولي لكرة القدم وفق هذه الرؤية، وعندما رأى "الفيفا" أننا لم نكن جادين وأن أمواله تذهب في بنود أخرى، رحل بمشروعه إلى فيتنام وتايلند والهند.

أُس وأساس المشكلة أننا لا ولم نمتلك يومًا مشروعًا جادًا للوصول لكأس العالم وقبل ذلك للنهائيات القارية على مستوى منتخبات المراحل السنية، مثل هذا المشروع يحتاج لسنوات من العمل الجاد من القاعدة وصولًا لقمة الهرم، مشروع يُعدّه اتحاد الكرة وتقرُّه وتشترك فيه جمعيته العمومية من الأندية، ثم يُرفع للوزارة وبعد ذلك لمجلس الوزراء من أجل إقراره واعتماد المخصصات المالية وطرق تمويله، بعد ذلك يحق لنا أن نحلم ونفكر بالوصول لكأس العالم.

وكما قال الشاعر:

"وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا"!