لا إعاقة مع الإرادة والإيمان

 

حمد الحضرمي **

 

وضعت النهضة العمانية في عهديها المبارك والمتجدد هدفًا ساميًا تجلّى في الاهتمام بالإنسان العماني، وتعزيز مكانته وإبراز طاقاته، وجعله مشاركًا فعالًا في البناء والتنمية، وقد شمل هذا الاهتمام الإنسان العماني السليم وذي الإعاقة؛ حيث وفرت الحكومة للأشخاص ذوي الإعاقة الخدمات والبرامج لرعايتهم وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، إلّا أن الجهود المبذولة على الصعيد الوطني ما زالت دون مستوى الطموحات، ويتطلب الأمر صياغة تشريعات وقوانين وبلورة خطط وإعداد برامج وطنية خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، فضلًا عن تكثيف المتابعة الحكومية لجهود تنفيذ الخطط والبرامج؛ بالتنسيق والتعاون مع الجمعيات المعنية والمختصة بهذا الشأن.

وهذه الجمعيات تسهم بدور بالغ الأهمية في مجال رعاية المعاقين من الناحية النفسية والطبية والاجتماعية والقانونية، وتقديم خدمات وقائية وعلاجية وتأهيلية لهم، وإجراءات الفحوصات المخبرية وإعطائهم التحصينات اللازمة والكشف المبكر عن الأمراض المصابين بها.

البعض منَّا تنتابه حالة من الشفقة والحزن عند مشاهدة ذوي الإعاقة، ولكن الكثيرين منا لا يعلمون أن معظم آباء وأمهات هذه الفئة يرون فيهم الخير الكثير والتفاؤل والأمل والإيمان بالقدر المكتوب من الله تعالى، وإننا جميعًا مقصرون في حق هؤلاء الأبطال أصحاب الهمم، ومع ذلك فمن شدة أدبهم وأخلاقهم لا يعاتبونا على هذا التقصير، والحقيقة أن لا سبيل للسعادة إلا من خلالهم، ولا طريق للراحة إلا بدخول عالمهم، فالراحمون يرحمهم الله، وإن رحمنا الله ستتغير أحوالنا، وستتبدل أوضاعنا، ولن يتحقق ذلك، إلّا بتقديم الرعاية والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير كل احتياجاتهم ودمجهم في المجتمع، حتى تعود إلينا البركة في كل شيء، كما يتوجب علينا الأخذ بأيديهم، والمضي معهم إلى المستقبل المشرق، وعلينا أن نساندهم وندعمهم ونقف على تلبية متطلباتهم ليعيشوا عيشة كريمة، ويكونوا عناصر فعَّالة يساهمون في بناء المجتمع وتطوره، لأن لدى هذه الفئة همم عالية قوية، وقلوب صافية محبة، رغم شدة الألم وصعوبة المُعاناة، تجدهم دائمًا مبتسمين في وجوهنا، وينظرون إلينا بود وحب، ونحن ننظر إليهم بشفقة وأحيانًا للأسف الشديد بازدراء، فنحن المعاقين وليس هم!

الإعاقة إصابةٌ بدنيةٌ أو عقلية أو نفسية، تسبب ضررًا لنمو الفرد البدني أو العقلي أو كلاهما، وقد تؤثر في حالته النفسية وفي تطور تعليمه وتدريبه، وبذلك يصبح الفرد أو الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنه أقل من رفقائه أو أقرانه من نفس العمر في الوظائف البدنية أو الإدراك، والإعاقة أنواع منها: الإعاقة العقلية، والإعاقة العقلية النفسية، والإعاقة الحركية، والإعاقة الحسية، ومن الإعاقات الحسية: الإعاقة البصرية، والإعاقة السمعية، واضطرابات الكلام واللغة.

وإنَّني في هذا المقام أرفع لمن يعنيه الأمر صرخة المكفوفين الذين يطالبون بقواعد واضحة للتعاملات البنكية؛ حيث إنهم يعانون في إتمام معاملاتهم البنكية؛ إذ تطلب منهم البنوك إحضار شهود لإتمام تعاملاتهم البنكية، وهنا تعتبرهم البنوك في حكم "فاقدي الأهلية"؛ وإنني أناشد المختصين وأصحاب القرار، منح المكفوفين حقوقهم كاملة في تعاملاتهم البنكية؛ لأنهم ليسوا فاقدين للأهلية، وعلى جميع البنوك توفير ماكينات الصرف الآلي لذوي الاحتياجات الخاصة وللمكفوفين.

إنَّ الإعاقة الحقيقية إنما تكمن في العقل حينما يتملكه الجهل، وفي الروح حينما يتملكها اليأس، وفي القلب حينما يفقد الإيمان، وتكون القوة في القدرة على كسر القيود وتحطيم العوائق. والنجاح ليست كلمة تقال باللسان، ولا رؤيا ترى في المنام، ولا سلعة تباع في الاسواق، ولا يمكن أن نحصل على النجاح بالراحة، وإنما هو همة وتحليق يعانق عنان السماء، وليس للنجاح خط نهاية، فهو مرتبط بالطموح الذي لا حدود له؛ فالإنسان المتألق- السليم أو المعاق- كلما وصل إلى نجاح واستطاع أن يحقق هدفًا من أهدافه تراءت له أهداف أخرى، فيطمح في نيلها وتحقيقها والوصول إليها. إن النجاح قضية مفصلية في حياة الأمم والشعوب؛ فالكل منا الأصحاء وذوي الإعاقة ترنو نفسه إلى المجد والقيادة وتطمح إلى العزة والكرامة، فلا تنمية بدون نجاح شامل في كل مرافق الحياة؛ فإبداع المرء ونجاحه يمثل في النهاية تفوقًا وتميزًا لمجتمعه الذي ينتسب إليه وللحضارة التي يتطلع لبنائها.

إنَّ الطموح لا يعرف مستحيلًا، وإن التطلع الجاد لا يعرف صعبًا، وإن الإرادة القوية والهمة العالية كالأنهار لا توقفها الصخور، إن الطموح بدون إرادة، يصبح مجرد أحلام وخواطر؛ فالإرادة القوية هي سر النجاح، وسر تقدم الأفراد والمجتمعات وبناء الحضارات. وكل إنسان يملك أحلامًا وأهدافًا، لكن قلة منهم يحاول تحقيقها، وتعد الأديبة والكاتبة والناشطة الأمريكية هيلين كيلر إحدى رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر والنطق، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها، وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية، وعلمت البشرية كيف يكون النصر، وكيف تكون الإرادة والطموح لقهر الإعاقة وتحقيق النجاح، وقد ألفت كتاب (أضواء في ظلامي) وكتاب ( قصة حياتي ) وهذه الفتاة التي كانت تعيش في ظلمات ثلاث، استطاعت أن تحقق في حياتها أكثر مما حققه الأصحاء، وأصبحت من أشهر المحاضرات على مستوى العالم، وكانت مصدر إلهام للمعاقين والأصحاء على حد سواء، وكتب اسمها عن جدارة واستحقاق على صفحات التاريخ.

أيها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة.. أنتم أصحاب انفس تواقة، لكم غايات وأهداف في هذه الحياة، فلا تتوقفوا حتى تحققوا كل الأحلام والأماني، لأن الله قد وهبكم قدرات وإمكانيات عالية، ولديكم العزيمة والإرادة والتصميم لتحقيق ذلك، لأنكم لا تريدون أن تعيشوا عالةٍ على أسركم ومجتمعاتكم، وثقوا بالله ولا تستسلموا ولا تيأسوا ولا تتوقفوا ولا تهابوا واستمروا، حتى لو الطريق مليئة بالحجارة، اجمعوها وصنعوا لكم بها سلمًا يرتقى بكم لتحققوا النجاح، وكونوا على يقين بأن الله معكم يمدكم بقوته، لأنكم أصحاب همم لا تعرف الوهن، وإرادة لا تعرف الضعف، ولديكم أهداف عظيمة ستتحقق بمشيئة الله تعالى وكرمه وتوفيقه، ثم بالإرادة التي تمتلكونها في نفوسكم القوية، وبالإيمان الذي يملأ قلوبكم الطاهرة النقية.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك