المناصب.. مسؤولية وأمانة كفاءة

 

سالم البادي (أبومعن)

لا شك أنَّ كلٌ منَّا يعي ويُدرك أهمية المناصب في هذه الحياة؛ فصاحب المنصب لا بد أن يتحلى بسمات وصفات منها الأمانة والكفاءة والجدارة والإدارة، وأن يكون قادرًا على تحمل أعباء ثقيلة فضلاً عن أن يكون ملمًا برسم الخطط والرؤى المستقبلية، ويكون لديه الشعور بالواجب الوطني والقيام به على أكمل وجه، بعيدًا عن المحسوبية والمحاباة وغيرها من الأمراض الاجتماعية الأخرى .

وهنا لا بُد أن تدرك وتفهم يا صاحب المنصب أنه في يوم ما ستغادر منصبك أياً كان مسماه، ولن يبقى لك إلاّ ما زرعته من خير وحُسن معاملة بين الناس والأثر والذكر الطيب والشعور بالطمأنينة وراحة البال والأهم من ذلك هو رضا رب العباد.

وصدق القائل: إنَّ المناصبَ لا تدومُ لواحدٍ // إنْ كنتَ في شَكٍّ فأينَ الأوّلُ

فاغرسْ منَ الفعلِ الجميلِ فضائلاً  // فإذا عُزلتَ فإنها لا تُعزلُ

جاء عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لئن عشتُ إن شاء الله لأسيرنَّ في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تُقطع دوني، أما عمّالُهم فلا يرفعونها إليَّ".

أما في عصرنا هذا فما أكثر ما يُخفى عن المسؤول من حوائج الناس، فتضيع الحوائج فتكثر المشاكل والمعضلات والمصائب في المجتمع وتكثر همومهم ومعاناتهم ومآسيهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

وهذه هي حياتنا نحيا ونعيش فيها وكل شيء منها زائل، وكل شيء فيها لا يدوم لا مال ولا بنون ولا غنى ولا فقر ولا صحة ولا منصب. لذا لا يستدعي كل هذا الغرور والتفاخر والكبرياء والتمسك بالكراسي والمناصب والسلطة وكأنها جعلت لكم بالوراثة وليست بالجدارة لمن يستحقها.

والغريب والعجيب من أمر الإنسان حينما يعتلي منصبًا ينتابه نوع من الهيبة والاستعلاء والسلطة والقوة والكبرياء؛ فيستعلي ويتكبر على البشر ويستغل سلطته ومنصبه في مصالحه ومآربه الدنيئة، ولا يكتفي بذلك بل يتعمد تأخير وتأجيل مصالح الآخرين التي أؤتمن عليها لإنجازها وتخليصها، فالمواقف والشواهد كثيرة لا تحصى ولا تعد .

فيا صاحب المنصب هل تعلم أن هناك من يعزل من منصبه فجأة بسبب أو بغير سبب؟ هل تعلم أن هناك من يتقاعد بسبب أو بآخر؟ هل تعلم أن هناك من يفارق الحياة فجأة وهو على رأس عمله؟ وفي النهاية لا يبقى لك إلا الأثر؛ سواءً طيبًا أو سيئًا .

 

المنصب له وجهان لعملة واحدة هو: المنصب من أجل إدارة المنفعة العامة ويتسم برقيّ الخلق والأمانة، تلحقه سيرته الطيبة بعد وفاته .ووجه آخر وهو المنصب ذو سمعة سيئة ويفتقد للأمانة، ويتسم بالغرور والكذب، واستغلال منصبه لتكوين ثروة، فبالتالي لا يجني بعد وفاته إلا السمعة السيئة والذكر السيئ.

المناصب كالكراسي تدور ولا تدوم، وصدق الله في كتابه العزيز "فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ".

هناك من غادروا مناصبهم القيادية وأصبحوا في عالم النسيان بعد رحيلهم حينما يصبح كرسي وزيرا أو وكيلا أو محافظا أو مستشارا أو مديرا عاما أو واليا أو قاضيا، الذين بيدهم القرارات التي تخدم الناس وتسيير متطلباتهم واحتياجاتهم المعيشية والاجتماعية وغيرها، فيصبح ذلك طي النسيان كأن لم يكن بالأمس.

فكم من أصحاب المناصب والنفوذ اليوم الذين صنع لهم المستفيدون من حولهم هالة من النفاق والخنوع والذل أين هم الآن؟

بالأمس يستقبل بالمدح والنفاق، وكان ينهب ويظلم ويستغل ويترفع، اليوم يمر مرور الكرام لا يستشعر به أحد، ولا احد يعيره ذرة اهتمام، بل البعض منهم أصبح يتنقل بين ثرواته وعقاراته في مختلف بلدان العالم، والبعض الآخر بات منصبه ومقره الأسواق والمقاهي ليصبح من عامة الناس! ألم يحسب حسابا لهذا اليوم أو لهذا الموقف؟

وصدق قائل آخر: لا تحسبوا أن المناصبَ باقية // أو أنها يوماً ستبقى وافية

عاشرْ بمعروفٍ فإنكَ راحلٌ // واتركْ قلوبَ الناسِ نحوكَ صافية

الخلاصة.. يا صاحب المنصب: أعلم يقينا أن المنصب والسلطة والمسؤولية هي تكليف وتشريف لخدمة وطنك وشعبك وسلطانك، وهي أمانة في رقبتك أمام الله والشعب وسوف تسأل عنها يوم الحساب، فلا تستعجل بفرحة المنصب إذا كلفت وشرفت به، وتوالت عليك التهاني من كل حدبٍ وصوب!. وأنستك حقيقتك وواجبك الإنساني والوطني؛ بل اجعل من منصبك فأل خير عليك وعلى وطنك وشعبك ومجتمعك، واعلم أن المسؤولية حمل ثقيل وأمانة كبيرة، فاحرص على أن يبقى ذكرك بالخير مستمرًا حتى بعد رحيلك من هذه الدنيا.

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) "الأنفال:27".