الوطن يتساءل عن حال أبنائه!

 

‏راشد بن حميد الراشدي **

 

جلستُ على صخرة بحرية نحتتها عوامل البيئة تشرف على شاطئ جميل ممتد الأفق مع سويعات الفجر، وخيوطه المشرقة، بألوانها الزاهرة، ومع صوت أمواج البحر، حدثني الوطن في تلك الجلسة الحالمة المُسترسلة بمشاعر المحبة متسائلًا عن حال أبنائه: أين أبنائي الشباب الفتية العاملين لأجلي؟ وأين سواعدهم الفتية؟ ولماذا تذهب ثرواتي وخيراتي إلى خارج الوطن بمليارات الريالات سنويًا؟ ولماذا الانتظار بين مسرَّح وباحثٍ عن عمل وفي ترابي الآلاف من العاملين الأجانب، وآلاف الفرص الواعدة؟!

قلت له: وطني.. صبرٌ جميلٌ؛ فالمُستقبل مشرق والخطى حثيثة وأنت بخير يا وطني العزيز. قال: نعم، لله الحمد، أنا بخير وعافية وأبنائي نُخبة الأخيار سيكونون كذلك؛ فللوطن رب يحفظه وسلطان يسهر على راحته وأبناء بررة مخلصون له. لكن هناك رؤى وخطط يجب تأكيدها ويجب الأخذ بها في جميع المجالات والاتجاهات، وبعيدًا عن المجاملات رؤى وخطط ستحمي الوطن وترفع هامته وتُعلي شأنه بإذن الله.

جلست استمع للوطن وهمومه وهو يتنهد بشدة: أبنائي أبنائي بعضهم يُعاني بشدة من ظروف الحياة القاسية رغم تعلمهم وتفوقهم بانتظار وظيفة تحميهم من حاجة السؤال.

قلت له: وما الحل يا وطن الأحرار؟

قال لي وهو يسترسل في حديثه: الحل هو أن ثمار الشجرة أولى بها أهلها، وهذا فيصل الأمر كله؛ فأبنائي عباقرة عظام؛ منهم الطبيب والمهندس والمعلم والتاجر والمخترع والفني والعامل وغيرهم، ممن أُفاخر بهم، وقد تخرجوا في أفضل وأعرق الجامعات، وأثبتوا كفاءتهم في كل الميادين، وها هم اليوم ينتظرون بنائي بكل اقتدار وتفانٍ إذا أعطيت لهم الفرص، لكن هناك من يكبح جماح توظيفهم وتطويرهم وإعطائهم تلك الفرص.

التخطيط السليم وتعمين الوظائف والاستغناء عن الوافد في كثير من الوظائف التي يُتقنها أبنائي ووجود قوانين منظمة لدخول المستثمرين الأجانب لسوق العمل ودعم وتشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة قبل الكبيرة، دعمًا صادقًا، والاعتماد على سواعد المواطنين سوف يُسهم في رخاء واستقرار هذا الوطن وتقدمه وسعادة أبنائه وعلو شأنه بإذن الله.

قلت للوطن: وماذا بعد؟

قال: عليكم بإنشاء المشاريع الصناعية الكبرى واستغلال الثروات الطبيعية التي حباني الله بها كوطن له إرث تاريخي ومكانة، وموقعي المميز، كل ذلك سوف يؤدي إلى استفادة أبنائي من كل تلك الثروات، من خلال التوظيف المباشر لهم أو إعطائهم فرصة لريادة الأعمال في كل القطاعات دون منافسة الأجنبي لهم، وذلك سوف يعزز من خلق فرص العمل والتحاق أبنائي بكل تلك الفرص وتراجع أعداد الباحثين عن عمل والمُسرَّحين، وأن يكون اقتصادي قويًا بثروتي ومواردي البشرية قبل المادية؛ فالأبناء هم عماد الوطن ومستقبله المشرق السعيد، إذا تم إعدادهم وتعليمهم الإعداد الجيد؛ فعُمان ولادة للمتميزين والمتعلمين والمتفوقين والقادرين على بنائها بإذن الله وبذل الغالي والنفيس من أجلي وأجل سعادتهم وعيشهم الكريم.

قلت: يا وطني وماذا تطمح أنت لأبنائك وشعبك؟

قال: أطمح أن أرى عُمان وطنًا شامخًا يخدمه أبناؤه ويسعون لبنائه ورقيه، وأن يختفي الفساد والمفسدون، وأن تُخفف الضرائب والرسوم وأن تخفف القيود والشروط الصعبة أمام كل راغب في إنشاء مشروع، وأن يرتفع دخل الفرد، وأن نعتمد على الأبناء ونثق فيهم في بنائي والخوف علي، فلن أجد سواهم في السراء والضراء؛ فهم سندي ومستقبلي وهم عمادي وقوامي وهم الحاضرون في كل وقت من أجلي والدفاع عن ترابي الغالي.

تنهدتُ قليلًا وقلت: أكرمك الله يا وطن وأكرم شعبك وأفرحك بأبنائك، فقريبًا بإذن الله ستُفرج الهموم وسترتفع هامات أبناء عُمان الصالحين عاليةً شامخةً أبيةً فليس للوطن سواهم، وسيبقون على العهد والوعد مرابطين من أجلك واستقرارك بإذن الله.

فتحتُ عيني لأرى ذلك الحلم الجميل أمام ناظري تتلألأ صوره الجميلة في سعادة سرت في نفسي وجوارحي من أجل الوطن ومواطنيه، وقلت عساه خيرًا وبشرى جميلة ستحملها الأيام القادمة، وتذكرت أبنائي الذين تخرجوا وهم ينتظرون توظيفهم بعد تخرجهم بتفوق، وفي تخصصات الهندسة، وجهدهم الذي بذلوه في سبيل التفوق والنجاح.

اليوم أنشد للوطن وأبنائه السعادة والنجاح والفلاح، وادعو الله العلي القدير التوفيق لجميع الأبناء في الحصول على وظائف أو بناء مشاريع ناجحة، تسهم في بناء عُمان؛ فليس للوطن سوى أبنائه، وليكن ملف التوظيف والمسرحين من أعمالهم، ملفًا على عاتق المسؤولين يسعون لحله وتفريج كرب الشباب والمهمومين من باحثين ومُسرَّحين؛ فكفانا سماعا لأصوات استغاثة المعوزين والمهمومين وكفانا جراحاً في رؤية أبناء الوطن عاطلين.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وفرّج هموم وكرب المهمومين، وجعلها الله واحة للأمان والخير بإذنه.

** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية