صوت المواطن

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

المجالس البرلمانية تمثل نبض الشارع وصوت المُواطن وتنقل هموم الوطن للمسؤولين، في الدول التي تحظى فيها التجارب الديمقراطية بصلاحيات حقيقية؛ إذ يقوم نوّاب الشعب- كما هو الحال في الدول الغربية- بالعديد من الأدوار والمهام الوطنية، وعلى وجه الخصوص سن القوانين والتشريعات واستجواب الوزراء المخالفين لصلاحياتهم، ومراقبة السلطات التنفيذية في البلاد، ومحاربة الفساد في مختلف قطاعات الدولة.

وفكرة نوّاب الشعب الذين يعبِّرون عن ضمير المُواطن وطموحاته نحو الارتقاء بالمجتمع بمختلف شرائحه الاجتماعية؛ والذي يقوم في الأساس بدفع من يمثله إلى مجلس الشعب أو العموم (كما يطلق عليه في بريطانيا)، هي فكرة مرتبطة بالدرجة الأولى بالثورات الأوروبية في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين في كل من فرنسا وإنجلترا، فالشعوب انتزعت حقوقها وخرجت من ظلام القرون الوسطى، ثم انتشرت تلك التجارب الانتخابية إلى العديد من دول العالم مثل الولايات المتحدة والهند ومصر وتركيا والعديد من دول شرق آسيا.

من هنا يتطلع الجميع في هذا الوطن العزيز إلى تفعيل الصلاحيات المخصصة لمجلس الشورى، والسماح للأعضاء المنتخبين من الشعب بالقيام بواجباتهم البرلمانية كاملة؛ فعمر نهج الشورى في السلطنة يتجاوز 3 عقود وهي مدة كافية لنضوج هذه التجربة المباركة التي تدرجت في بدايتها في عقدها الأول، وكانت القبيلة هي المسيطرة؛ لكون شيوخ القبائل هم الذين كان يُسمح لهم بالتصويت واختيار من يرونه مناسبًا، ثم تطورت تلك العملية الانتخابية وتوسعت قاعدة المشاركة وأصبح كل من بلغ 21 سنة يحق له المشاركة في التصويت.

وشهد العقد الثالث الأخير اتجاهًا إيجابيًا من العديد من الشيوخ والوجهاء الذين أظهروا رغبة صادقة في اختيار الكفاءات دون انتماء قبلي ومصالح شخصية، لكن لم نصل إلى مستوى طموح الوطن في هذا المجال حتى الآن. هناك تحديات عديدة تواجه الوصول بالتجربة الشوروية إلى المستوى الذي تطمح إليه القيادة الرشيدة لهذا الوطن العزيز؛ فثقافة المجتمع ووجود القبيلة كمكون اجتماعي أصيل لا يمكن التخلص منه في عقود قليلة؛ بل الأمر يحتاج إلى فترات أطول.

لا شك أن هناك إجماعًا بين المسؤولين والعلماء ووسائل الإعلام، العامة منها والخاصة، على ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي والحديث بصوت واحد؛ مفاده نبذ المُحاصصة القبلية والمصالح الشخصية والاتجاه نحو الاختيار الأفضل لمن يمثل المجتمع في مجلس الشورى. الشخص المناسب هو الذي يستطيع أن يشارك في بناء الوطن ويقدم نقدا بناءً يساعد الحكومة في الارتقاء بالخدمات التنموية التي تقدم للمواطنين.       

وفي كل فترة انتخابية جديدة يشهد بلدنا الحبيب حراكًا انتخابيًا واصطفافًا عشائريًا غير مسبوق؛ ففي هذه الأيام تتجه الأنظار وتجتمع الحشود استعدادًا للفترة العاشرة لانتخابات مجلس الشورى؛ فهذه التجمعات الانتخابية والتكتلات القبلية بدأت مبكرًا هذا العام، استعدادًا للعرس الانتخابي المرتقب، على أمل أن تكون هذه المرة منافسة شريفة في مختلف ولايات السلطنة لاختيار من يمثّل الناخبين، ويحرز أكبرعدد من الأصوات في مختلف الدوائر الإلكترونية في العالم الافتراضي المرتبط بـ63 ولاية في البلاد.

لذلك نؤكد دائمًا أن صوتنا أمانة واختيارنا الأنسب واجب وطني.

وتأتي هذه المنافسة كنتيجة طبيعية للجهود الجبارة التي بذلها الأعضاء في الفترة التاسعة، وذلك من خلال استخدامهم الصلاحيات والأدوات الرقابية المنصوص عليها في القانون المتعلق بمجلس الشورى والتي وردت في قانون مجلس عمان وعلى وجه الخصوص المادة (56) والتي تضمنت 7 أدوات رقابية، تبدأ بالبيان العاجل الذي يلقيه العضو أمام المجلس حول قضية وطنية تتعلق بمصلحة الوطن ومستقبل المجتمع، وتنتهي بالاستجواب الذي يتطلب تقديم عريضة موقعة من 15 عضوًا كخطوة أولى؛ ثم يتم التصويت عليها من الجميع في المجلس، وبالفعل استطاع أصحاب السعادة الأعضاء استخدام كل تلك الأدوات خلال السنوات الأربع الماضية.

صحيحٌ أن هناك تحديات واختلافات في وجهات النظر بين السلطة التنفيذية التي تُخطط وتضع السياسات وتُنفذ المشاريع والاستراتيجيات التنموية في السلطنة، وبين المجلس الذي يهدف إلى تحقيق طموحات المُواطن نحو حياة كريمة يسودها الرخاء الاقتصادي والنمو الاجتماعي.

في الختام.. الآمال معقودة على الناخب العُماني أينما وُجد، بالالتزام بالمشاركة في الإدلاء بصوته وأن يكون الاختيار المرشح الأنسب فصوته أمانة. وقد كانت نسبة المشاركة في الفترة التاسعة حوالي 49% فقط، بينما لم تتجاوز نسبة التصويت في انتخابات المجلس البلدي الأخير أكثر من 39% على الرغم من التصويت بالنظام الإلكتروني عبر الأجهزة الذكية التي يمكن استخدامها من المنزل أو المكتب أو السيارة وفي أي مكان.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري