تدوير الأموال وتوزيع الثروات

 

 

‏راشد بن حميد الراشدي **

 

ما يحدث من تضخم في الثروات الفردية لدى عدد من الأفراد والعائلات على مستوى الكثير من دول العالم هو ظاهرة بدأت بصورة جلية خلال هذه السنوات، فمع جشع أصحاب الثروات التي شكلتها عدة أسباب؛ أهمها الفساد بكل صوره، واستغلال النفوذ والسلطة والتحايل، وسرقة المُقدرات، والمحسوبية، والاحتكار، ومن ثم تشكلت ثروات فاحشة لدى البعض، نمت بشكل غريب ومتسارع دون رقيب أو حسيب ودون سؤال: من أين لك هذا؟!

الغنى الفاحش والسريع لدى البعض، قابله ضياع حقوق كثير من الأفراد الآخرين وساءت حالتهم حتى وضعتهم إما على خطوط الفقر والعوز أو تحتها، ودفعتهم للكفاح المرير من أجل لقمة عيش يسيرة، بالتوازي مع ما حدث للمجتمعات من ضياع حقوقها وتآكل جزء كبير من الطبقة المتوسطة.

حقوق الكثير من البشر اليوم تذهب أدراج الرياح وهم يعانون كل أشكال البؤس وعدم استطاعتهم مجاراة أبسط متطلبات الحياة من مسكن وملبس وغذاء وخدمات، بينما يعيش الآخرون المتكسبون من أقوات العامة حياةً مترفة، لأبعد ما يتخيل المرء؛ فتجميع الثروات بيد فئة بسيطة على حساب عموم الناس، أصبحت ظاهرة جلية في كثير من دول العالم، دون مراعاة لحقوق الآخرين؛ فما يستفيده الأغنياء من ثرواتهم في حياتهم الدنيا بسيط، مُقارنة بما جمعوه؛ فهي أرقام في البنوك يتباهون بها وبزيادتها على حساب باقي بني جلدتهم، بينما هناك ملايين البشر يحتاجون إلى جزء من تلك الثروات العظيمة ليعيشوا حياةً سعيدةً.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).

من هنا يجب أن يكون تدوير الأموال بين فئات البشر؛ وهي مسؤولية كبيرة يجب أن تتنبه لها الدول وتتوافر لها الأسباب التي تؤدي إلى نجاح ما أشير إليه لصلاح المجتمعات وليس هناك قانون يستطيع تنظيم تدوير الأموال وتيسيرها لدى الجميع من القواعد والقوانين التي أرسى دعائمها ديننا الإسلامي الحنيف، خاصة بعد تفشي مثل هذه الظواهر التي لم ترقب في البشر إلًّا ولا ذمة؛ فالعدل والأمانة وإيتاء الزكاة وبذل الصدقات والشفافية والمحاسبة والرقابة الصارمة والتوزيع العادل للمنافع والثروات بين البشر ومكافحة الفساد والمفسدين، سوف يحقق الحياة الهانئة للجميع وسيُعزز الاستقرار في تدوير الثروات بين مختلف الفئات وسيشيع الطمأنينة والكرامة بين بني البشر.

إن ما نراه اليوم من نفوذ لدى كثير من أصحاب الثروات وجشع صاحبه، اختلال كبير في موازين الحياة؛ فهي ظاهرة مقلقة أدت الى تفشي الفقر والجوع والأوبئة والحروب، وأتمنى أن تكون المجتمعات الإسلامية خالية من مثل هذه النماذج البائسة التي لن تُحقق شيئًا في الحياة ولن تجلب سوى دمار البشرية، وهو ما نراه اليوم، فمن أجل أرقام وثروات بنكية تُجمع ثم تُنهب ثم تُجمع، صارت مجريات الحياة.. وهكذا ديدن المال الحرام، لكن آثاره الاجتماعية صارت معالمها جلية على مستوى دخل الأسر ومعاناة المجتمعات من الفقر والعوز؛ فبالعودة لأسباب المعاملات السليمة بين بني البشر وإتقاء الله في مالهم وطريقة كسبه وأداء حقوقه، ستتحقق الحياة الكريمة للبشرية جمعاء.

عسى أن توزع الثروات على كل البشر ويبقى أثرها وخيرها عميمًا في المجتمعات بأسرها، وكفى بعض الفئات من الناس جشعًا وطمعًا دنيويًا زائلًا.

حفظ الله أوطاننا من كل سوء، وجعلها واحة للخير والطمأنينة، ومثالًا للأوطان الصالحة، ورفع عنها مرضي الطمع والفساد.

** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية