شيء ما يعكّر صفو الحياة

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

"الأسوأ لم يأتِ بعد".. هذا العنوان يتكرر كثيرًا ويردّده المشاهير والمثقفون والعلماء، ولا نعلم مدى دقة الأمر وماذا علينا أن نفعل هل ننتظر الأسوأ مستسلمين له؟ أم نقاوم ونتفاءل غير آبهين بما سيأتي متناسين ما سيحدث؟ هل نحن متشائمون بالفطرة؟ أم متفائلون؟

لكن الحياة أخذتنا إلى طريق التشاؤم والتطيّر والخوف من المستقبل. الإنسان القديم كان يُفكر في يومه، فيخرج للصيد لتأمين قوت يومه ويحتمي بالكهوف، أو الأشجار المرتفعة من المخاطر المتربصة به كغريزة للبقاء. ومع الوقت تكونت التجمعات البشرية وأتت المدنية التي نادت بمفاهيم جديدة لم تكن ذات أهمية. فأصبح الناس يخافون من الغد ويتطلعون إلى معرفة المستقبل والتنبؤ به حتى يستعدوا للأسوأ، فهل نحن فعلا بحاجة إلى معرفة ماذا يخبئ لنا الغد؟

يربط البعض من الناس بين الشعور بالتشاؤم وبين ضبابية المستقبل ويقال بأن كلما زاد الوعي بالواقع زاد اليأس والتشاؤم. هذه المقولة ذكرتني بمقولة كانت أمي- رحمة الله عليها- ترددها لنا بأن الجاهل بالشيء يكون في أمان وسلام، ويتجاوز المشكلات بيسر عكس العالم بكل شيء، فعمره أقصر من كثرة المعرفة والهموم.

من الأمور المثيرة أن يتساوى العالم والجاهل في مسألة الركض وراء المتنبئين لمعرفة الطالع واختيار الشريك المناسب والوقت المناسب للسفر أو العمل أو الاستثمار حتى أن الأسماء نالها من الأمر جانب؛ فالبعض يتشاءم من بعض الأسماء ويعتبرها مصدر شؤم، خصوصًا وإن ارتبطت في أذهانهم بشخصيات شريرة أو سيئة الطباع فيتفادونها ويتوجسون من كل من يحمل نفس الاسم.

البعض يتطير من بعض الحيوانات كالغراب والبومة والقط الأسود والآخر يتطير من الرقم ثلاثة عشر أو ما يسمى بديكترفوبيا، وإن تعدّدت أسباب التشاؤم؛ فهي تدل على مستوى وعي مبالغ فيه. ومع ذلك يعد المتشائم إنسانا واقعيا إلى حد كبير وهو أفضل من المتفائل بأحلام وردية ويتوقع أن المشكلات قد تحل من تلقاء نفسها أو مع مرور الوقت فيترك المشكلة تتكون ككرة الثلج وتتدحرج حتى تتحول إلى كرة كبيرة تزيل كل ما أمامها.

المتشائم الواقعي يرسم سيناريوهات متوقعة وإن كانت سلبية، لكنها تساعده على تفادي المشكلة على الأقل، أما المتفائل الوردي فهو يعلم أن المشكلة ستقع لكنه يظن أن هناك فارسا مغوارا ومنقذا سيأتي حتمًا لإسعافه في الوقت المناسب، والتراث الإنساني غني بالمنقذين الذين ينقذون العالم عند انتشار الفساد؛ فالقصص والروايات والكتب التاريخية جاءت لنا بالأبطال المحاربين للشر، وهي رؤية تعكس منظور المتفائل الذي يؤمن بانتصار الخير على الشر على اعتبار أن الخير هو الأساس والشر حالة استثنائية.

بنفس المفهوم يرى المتفائلون أن الخير والسلام هو الأساس وأن التشاؤم والتطير استثناء. ومنذ أن أصبح العالم قرية متواصلة صغيرة، ونحن لم نعد نشعر بسلام وأمان، حتى إن حاولنا ذلك يكفي فقط أن تطلع على قناة إخبارية أو منصة في التواصل أو رسالة "واتس آب" حتى تدرك أن العالم قد أصبح مكانًا مخيفًا بل مخيف جدًا لك ولأحبائك، ولا يجدر بنا الخروج أو التواصل ولا أن نثق في أي شيء نأكله أو نشربه أو نتنفسه فهناك حتما شيء في الماء أو الهواء أو الطعام!! فبعد أن كان أصحاب نظرية المؤامرة على البشرية فئات محدودة متهمة بالتشاؤم، أصبحنا من كثرة ما يصلنا من معلومات نشكك في أننا سنكون بخير. فهل نحن بحاجة إلى التواصل مع العالم؟ أم أن علينا التوقف عن التواصل والتقوقع على الذات والبحث عن نمط حياة منعزل عن المجتمعات والتكنولوجيا في بيئات بعيدة جدًا عن التطور وأقرب إلى حياة الإنسان الأول؟

أدرك سكان الغابات والبراري أن كل الكائنات غير الإنسان يمكنك أن تتعايش معها إن صنعت حدودا واحترمت وجودهم. أما الإنسان وبعقله الصغير فلا حدود لمحاولاته تغيير الكون ونواميسه حتى يرضي غروره.

من أسوأ ما قام به الإنسان استثمار العلم في تدمير الكون والبشرية والمخاطرة بإنهاء الحياة على وجه الأرض، سلوك عنيف وبشع لكائن يجهل تبعات أفكاره. اختلفت الأزمنة والأماكن، إلّا أن الأفكار الشريرة ما زالت تجوب في فضاءات العلم ولا أعلم كيف لهذا المخلوق أن يكون أنانيا لدرجة أنه يدمر كل شيء وراءه، وأن يتبع سياسة الأرض المحترقة لا على أعدائه فقط بل حتى على أحبائه حتى يرى نتائج أفكاره!

في السابق، وقبل نشأة المؤسسات الدولية والتكتلات الاقتصادية والسياسية بين الدول، كان الناس يعانون من وطأة الاستبداد والمراقبة حتى بات الفرد يعيش في قلق وخوف من المراقبة، واليوم ومع الانفتاح الحضاري وارتفاع سقف الحريات ما زال الفرد يعيش في قلق ومراقبة، لكن هذه المرة فإن من يراقبه مؤسسات تبيع معلوماته التي يجمعونها أول ما يتصل على شبكة الإنترنت لمن يدفع من شركات. فالعلم الحديث لم يستطع أن ينتشلنا من التشاؤم؛ بل وسّع من دائرة الخوف من المستقبل وما يخبئ لنا الغد.

اليوم نسمع أن هناك أوبئة قادمة ومجاعات وحروب وكوارث طبيعية لا عين رأتها ولا أذن سمعت عنها من قبل، ومن جهة أخرى تأتينا أخبار عن العنف الأسري والتلذذ بتعذيب الضحية من قبل أفراد الأسرة، مستوى غير مسبوق من القسوة والقهر نعيشه في العصر الحالي. في السابق كان يُعتقد أن العنف أسبابه مادية، أما اليوم فنرى أن العنف موجود حتى عند الميسورين ماديًا والمتعلمين والمثقفين ولا ندري كيف يصبح الإنسان قاسيًا مع أحبائه لدرجة أن يستبيح دماءهم دون أدنى إحساس بالذنب. فهل هناك شيء ما في الهواء؟!