أين قضيت العطلة يا حازم؟

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

سأل المعلم: أين قضيت العطلة يا حازم؟

قال حازم: في الجبل الأخضر.

وأنت يا فادي؟

قال فادي: عند جدي وجدتي.

كان هذا الدرس في أحد كتب منهج اللغة العربية في الصفوف الإبتدائية الأولى، وكانت حصة التعبير -التي أعشقها- التي تلي هذا الدرس تتمحور حول أين قضينا العطلة الصيفية، وكنت أحس بأنني مهما كتبت فلن أصل لوصف الجمال والتنوع الذي حكاه حازم عن الجبل الأخضر، رغم ما كنت أكتبه من وصف لظلال النخيل ورطبها الشهي، وعذوبة الأفلاج وصفاء مياهها، وطعم ثمار الأمبا/ المانجو الحلو، وروعة مطرها الصيفي الذي يلطف حرارة الجو الشديدة في "العراقي"، فحازم يتحدَّث عن بيئة جديدة كليًا عمّا نعيشه نحن، فهو يتحدث عن جبل يسكن الناس فيه، ويتحدث عن الخوخ والمشمش والجوز والرمان، واليوم وأنا أتابع مهرجان الجبل الأخضر في نشرة الأخبار، من حيث جمال التنظيم وتنوع الفعاليات، وفرحة الأطفال متنقلين من لعبة إلى أخرى، ومن كشك إلى غيره، أخذتني الذاكرة إلى تلك العطلة الصيفية التي قضاها حازم هناك.

 

إنه من الأهمية بمكان أن ينتقل الطفل من بيئة المنزل التي أصبحت إلكترونية بنسبة لا تقل عن 90% للأسف الشديد، وأن يستغل ولي الأمر فترة الصيف كي يبعد طفله عن الجهاز اللوحي أو الهاتف الذكي، وبذلك يجنبه أمراضا كثيرة أقلها السمنة وأعلاها الإدمان، وما أجمل وأكثر الأماكن الرائعة في كل محافظة من محافظات عمان، حيث يندر خلو ولاية من موقع واحد على الأقل يصلح للنزهة والتجول، وتنمية ملكة الاستكشاف التي لا تطلب مجهودا لدى صغار السن، لذا فإن زيارة المزارع المنتجة، والبساتين المنتشرة -بعد استئذان أصحابها- سوف يعرفهم على بيئات جديدة، وسينمي ذلك لديهم حب التجربة والمحاولة، وسوف يقودهم إلى التحول لمواقع التواصل الاجتماعي الإيجابية التي تساعدهم على إنجاح تجاربهم وإثراء معارفهم.

 

خريف ظفار جنة جزيرة العرب ويعد ملاذًا للكثيرين والعديد من الراغبين في الهروب من حر القيظ، والاستمتاع بجوها الساحر، وهذا الانطباع العجيب عرفه الكثيرون من إخوتنا القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي بعد عبورهم الخط الأخضر، ولا يُمكن أن يدرك هذا الشعور إلا من زار ظفار برا، لأن الطريق يستمر شاقا صحراء قاحلة على مد البصر، لهيبها يضرب زجاج نافذة السيارة بسياط حرارتها، ثم فجأة وبدون مقدمات يتحول إلى النقيض تماماً، بساط أخضر وجو لطيف ونسيم بارد ورذاذ منعش، إن هذه الدهشة التي تصل إلينا من الكثيرين الذين وثقوا لحظة دخولهم الخط الأخضر هي ذاتها نجدها لدى كل من زار مزرعة الأخ أحمد الكثيري (أبو صقر) في جبال ظفار، فالداخل من بوابة المزرعة يسبقه معرفته لأجواء الخريف بشكل عام وصلالة بشكل خاص، سوف يكون متيقنا من وجود أشجار الموز والنارجيل والفيفاي والليمون وربما بعض من خضروات هنا وهناك، لكن ما إن يبدأ في التجوال بين أشجار تلك الغابة الرائعة تأخذه الدهشة من كم التنوع الرائع لأصناف وأنواع يصعب حصرها، وعندما حظيت بزيارة المزرعة حيث اصطحبني إليها والدي -رزقني الله حسن بره وصحبته- العام الماضي ذهلت مما رأيته فيها، وكانت تلك زيارتي الثانية إليها بعد عدة سنوات من زيارتي الأولى، وشتان ما بين الزيارتين، فهنا أتحدث عن كم التطوير الذي نال كل شيء فيها بدءًا بالأصناف وانتهاء بالمساحة والأسلوب، وقد أعادني ذلك كله إلى ذات السؤال: أين قضيت العطلة يا حازم؟، وتمنيت أن يحظى طلبة مدارس الحلقة الأولى بزيارة مثل هذه المشاريع الخلاقة، لأنني لا أتحدث عن الأشجار التي ذكرتها سابقاً، بل هي أشجار وثمار حديثة على السوق العماني تمام، ويمكن إنتاجها بكميات تجارية، كالأفوكادو بأنواعه، وفاكهة التنين بأصنافها، وفاكهة البيض، بل حتى الجوافا لم أتوقع يوماً أن أرى شجرة بأوراق شديدة الحمرة قريبة إلى السواد، وثمارها ذات الحمرة الداكنة جدا، والكركم والاستيفيا وغيرها التي لا أستطيع حصرها في هذه السطور، ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ أبا صقر مستمر في تجاربه الزراعية دون كلل أو ملل.

 

ما بين الجبل الأخضر وجبل شمس وجبل السراة وجبل الكور وجبل سمحان يجب أن نوصل الرسالة لجميع الأطفال بأن العماني لم توقفه الصخور الملساء، ولم تثنه الجبال الشاهقة، ولم يعجزه الضباب الكثيف، ولم يرهقه البرد القارس عن حب الغرس، ليثبت للأجيال القادمة بأنهم قادرون بحول الله على التجربة والصبر للحصول على النتائج المبهرة.

 

وأخيرًا وليس آخرًا لنسأل أطفالنا قبل أن تسألهم المعلمة: ما الذي استفدته من العطلة الصيفية يا ولدي؟

--------------------------------------------------------

توقيع:

"وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ // وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

وَلَستُ بِهَيّابٍ لِمَن لا يَهابُني // وَلَستُ أَرى لِلمَرءِ ما لا يَرى لِيا

فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي // وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيا

كِلانا غَنيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَهُ// وَنَحنُ إِذا مِتنا أَشَدُّ تَغانِيا".

الإمام الشافعي.