تطوير السياحة.. لنتعلم من تجارب الآخرين

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

دعت رابطة السفر التركية قبل أيام إلى تخفيض الأسعار للسماح لمزيد من المُواطنين بالسفر والتمتع بالسياحة المحلية، وذلك لأن ارتفاع أسعار التذاكر والفنادق لا يحد من سفر المواطنين الأتراك الذين يجدون بدائل أفضل بالسفر إلى الدول مجاورة فقط؛ بل إن قطاع السياحة برمته مُهددٌ، وقد يخسر الكثير من الموظفين والعمال وظائفهم بسبب تدني نسبة الإشغال بالفنادق إلى ما يقارب 60%، كما طالبت الرابطة بوضع ضوابط للأسعار حتى لا يتسبب الارتفاع في مشكلات اقتصادية في ظل الأزمات الاقتصادية الراهنة.

فاجأني هذا الخبر، لا سيما وأن تركيا من الدول السياحية التي استطاعت أن تجذب السيّاح طوال العام، ولم تعتمد على السياحة الموسمية قط، ونشّطت قطاع السياحة بكافة أفرعه وقدّمت أسعارًا منافسة عبر خطوطها الجوية وعروض فنادقها وتسهيلات أخرى كثيرة، حتى باتت من الوجهات السياحية النشطة طوال العام. ومع ذلك لم تغفل أهمية جذب المُواطنين للسياحة الداخلية عبر مؤسساتها المختلفة لأنهم يشكلون سوقًا مُهمًا.

تركيا ليست الوحيدة في هذا الشأن؛ فالكثير من الدول تحذو نفس المنحى لدعم السياحة الداخلية، من خلال تقديم أسعار خاصة للمواطنين الأفراد والمؤسسات، عبر الترويج لسياحة العطل المدرسية وإجازات نهاية الأسبوع وللأنشطة الاجتماعية للمؤسسات وإقامة الفعاليات في المواقع السياحية والفنادق والنزل الفندقية.

منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بدأت ماليزيا تخطو خطوات واسعة في تطوير قطاع السياحة والطيران والفضاء وقد حققت خلال ستة أعوام دخلًا يقارب ملياري دولار أمريكي، وأصبحت قادرة على تصنيع وإنتاج مكونات الطائرات ونظمها الإلكترونية. إلى جانب تفعيل جملة من البرامج المشتركة مع قطاعات الدولة المختلفة العامة منها والخاصة في تنظيم تظاهرات ومعارض خاصة بتنمية قطاع الطيران والسياحة، وقدمت لها الدعم التسويقي والتدريبي وتخفيضًا خاصًا في الضرائب حتى تشارك في برامج السياحة الطوعية. وتنظم ماليزيا سنويًا معرضًا للسفر والسياحة تروج من خلاله حزم سياحية للمواطنين بأسعار خاصة تصل إلى النصف أحيانًا، كما تمنح المواطنين والطلبة أسعارًا مخفضة لحجز الفنادق والرحلات الجوية والنقل إضافة إلى برامج كثيرة لجذب السياح الدوليين.

أما الهند، فقد قامت بفتح شركات طيران جديدة مما ساعد على إنعاش السفر والسياحة محليا. وفي الصين، عكفت الحكومة على دمج الشركات الصغيرة مع أخرى كبيرة لإنعاش القطاع. ومؤخرًا أعلنت بعض دول الخليج عن فتح شركات طيران تقدم خدمات جديدة وبأسعار منافسة كما فعلت السعودية، كل ذلك يصب في صالح تنشيط الاقتصاد ونموه نظرًا لما يحققه هذا القطاع من عوائد مادية وسياحية وثقافية كثيرة.

وأطلقت بعض شركات الطيران برامج سياحية للرحلات القصيرة والعائلية لدعم الحركة السياحية في البلاد من خلال تنظيم رحلات للسياحة الداخلية بالتنسيق مع مكاتب السفر والسياحة محليًا ودوليًا لجذب أكبر عدد من السياح.

وتؤدي شركات الطيران دورًا مُهمًا في تنشيط الحركة السياحية والاقتصادية في أي دولة؛ لذلك تولي الدول اهتمامًا خاصًا بتطوير قطاع الطيران المدني؛ حيث يُعد من القطاعات المهمة والواعدة والإستراتيجية لبناء اقتصاد ما بعد النفط وتنويع مصادر الدخل وتعزيز الناتج المحلي؛ لذلك نرى اهتمامًا واسعًا حول العالم بتطوير قطاع الطيران والمطارات والقيام بأعمال التوسعة للمطارات الدولية وإنشاء مطارات وتخصيص المزيد من الاستثمارات لدعم هذا المجال.

وتطوير قطاع الطيران يعني تدفق المسافرين وتنشيط الحركة الاقتصادية وتوفير فرص عمل للمواطنين في التخصصات المختلفة.

وعلى الرغم من التشاؤم الذي أطلقه البعض بسبب ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، فإن نمو هذا القطاع مستمر؛ بل حتى إن الكثير من الشركات حققت تعافيًا هذا العام من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا والإغلاقات، منها شركات خليجية فيما عدا الطيران العماني الذي لم يتعافَ، وقد عزا المختصون ذلك إلى غياب استراتيجيات المنافسة مع الشركات الطيران الأخرى، وعدم وجود خطط واضحة للشركة لرفد الاقتصاد المحلي.

ويعد قطاع الطيران المدني من القطاعات التي شهدت التعمين مبكرًا، فمنذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، انخرط الكثير من الشباب العماني في قطاع الطيران بتخصصاته المختلفة، البعض كان يعمل بالخليج واكتسب خبرات واسعة، ثم عاد إلى الوطن وشارك في عملية البناء والتطوير.

نحن نملك من الكوادر الفنية والإدارية والهندسية وطواقم الطائرات من يمكنهم النهوض بهذا القطاع، لكن ما ينقصنا فقط خطط للاستفادة من إمكانيات الكوادر الخبيرة والسابقة لتأهيل الأجيال الحالية، فلا ننسى أن برامج تأهيل وتدريب موظفي هذا القطاع من البرامج المكلفة التي كلفت الدولة الملايين وقبل أن نستعين بخبرات أجنبية بعقود علينا أن نبحث بين ملفات قطاع الطيران المدني وشركاته عن الكوادر الوطنية القادرة على العطاء.