الفساد.. سرقة لمُقدرات الأوطان

 

‏راشد بن حميد الراشدي **

 

يكثُر الحديث عن الفساد والمُفسدين وتكثر مع ذلك أوجه الفساد التي طالت الأوطان؛ حيث تمارسها وجوه مُقنعة بقناع التقوى والصلاح وخدمة الأوطان، فاصفرت الأرض وجدبت بسبب أعمالهم غير المشروعة، والتي طالت الأخضر واليابس، فأصبح هشيمًا تذروه الرياح، وهكذا هو ديدن الفساد، عندما يستشري في المجتمعات ويضرب مجتمعاتها واقتصادها وبنيانها فلن يُوَرِّث سوى الخراب والدمار.

والعكس صحيح، عندما يُستأصل ذلك المرض الخبيث الذي في مقدمته الفساد والمفسدون لمجتمعاتهم؛ حيث ستكون النتيجة سيادة الحق والعدل وشيوع الخير وسوف تخضر وتخصب الأرض، وستؤتي ثمارًا وافرة يانعة يتفيأ خيراتها وظلالها الوطن، وترتقي بصلاحها وعدلها إلى سموات الأرض.

وللفساد أوجه عدة لبِسَت قناع الصلاح؛ كالمحسوبية والهبات والعطايا والواسطة بألوانها وأشكالها، والكيل بمكيالين، وشراء الذمم، وإسناد المنافع لفئة من النَّاس من المنتفعين دون غيرهم، وتعيين الأقارب والأصدقاء في بعض المراكز الإدارية، وغيرها من الأوجه المقيتة التي استشرت في المجتمعات بفساد أصحابها؛ فضربت بذلك كل أوجه الحياة العامة للناس، وهم يحسبون أن كل ذلك من حقوقهم؛ حيث التعدي بكل صُوَرِهِ على الأموال والممتلكات العامة وإقامة الحجة بأن مُقدرات الوطن من ضمن حقوقهم المشروعة! فانساق هؤلاء الفاسدون إلى تحقيق مآرب دنيوية فانيةٍ، لا يدرون حجم دمارها لأبناء مجتمعاتهم ولأوطانهم التي أعطتهم الكثير دون غيرهم.

ولا يميز الفساد بين صغير وكبير في حجم ما أفسده الدهر، ولن أذهب بعيدًا في قصص كبيرة، وإنما سأضرب مثالًا بقصة بسيطة جدًا رواها لي أحد الإخوة، فحكايتها عبرة؛ حيث كان هناك عامل بسيط في إحدى المؤسسات مارس وجهًا من أوجه الفساد وخيانة الأمانة، فقد حكى لي صديق مؤتمن ماليًا في إحدى المؤسسات عن عامل يعمل لديهم في المؤسسة وهو المسؤول عن تقديم الشاي والقهوة في تلك المؤسسة؛ حيث إنه في كل شهر يأتي بقائمة المتطلبات وعند منتصف ذلك الشهر، يُكرر تلك المطالب بحجة انتهاء تلك المستلزمات بسرعة، وقد تعوّد على طلباته قبل انقضاء الشهر، ولكن بعد تعيين عامل آخر بسبب سفر الأول، لم يطلب العامل الجديد مُستلزمات القهوة والشاي لا في منتصف الشهر ولا نهايته، وعند سؤاله يقول "متبقي كثير"، ومع اليوم العاشر من الشهر التالي، يطلب تلك الاحتياجات. حتى في أبسط الأمور تظهر خيانة الأمانة ويظهر الفساد والتعدي على المال العام؛ فهو مهما كان صغيرًا أو كبيرًا ينخر في مُقدرات الأوطان ويُعد فسادًا.

الفساد حبائله كثيرة وطرقه متنوعة وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمانة ومراقبة الذات وعدم تصديق النفس في التعدي على ما ليس لها من حقوق، وبات يستشري اليوم بشكل واضح في كثير من الأوطان التي نأمل أن تُعالج ذلك الأمر بتشديد الرقابة المالية والإدارية بصرامة وقوة وتنفيذ القوانين العقابية لكل من تسوِّل له نفسه خيانة وطنه، واستئصال بؤر الفساد وتجفيف منابعها في جميع المؤسسات بضربه بيد من حديد تُخيف كل من تسول له نفسه خيانة الأمانة واستغلال مركزه أو وظيفته في التعدي على ما ليس له من مبدأ "من أين لك هذا؟" ومحاسبتهم دون رأفةً.

إننا أمام أمر خطير ومرض عضال زاد انتشاره، ينخر في الوطن، ويدمر مُقدراته ويجلب الخراب للمجتمع؛ وكلي أمل في أن يكون وطننا بلدًا نقيًا صافيًا، ينعم بالسلام والأمان والاستقرار، وأن تتحقق العدالة في كل أمر فيه صلاح الناس، وسعادتهم، وازدهار الوطن، وأن تُكثَّف الجهود لمتابعة كل شاردة وواردة في نواحي العمل.

إنني عندما أجد وطنًا يكون الفساد فيه صفراً فإنني أجزم أن ذاك الوطن يعيش في أفضل أيامه رخاءً وسعادةً لمواطنيه.

ختامًا.. آمل أن يكون وطننا وسائر الأوطان منارة للعلم والتطور والبناء والعدل والرخاء وأن تسلم من كل أشكال الفساد والمفسدين من أجل مستقبل مُشرق وسعيد.

عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العُمانية