عائض الأحمد
في مناسبات عدة يتملكك شعور وأمنية خفية أقرب إلى مشاعر ذاك الرجل المُمزق الثياب كث الشعر مخترق الصفوف دون أن يأبه لأحد، مهما تعالت الأصوات، فهو مُخرِسُها ولم يعد يسمع إلا ذاته ويراقب حدودها دون مساس بما قد يؤذيه، تجاوز مشاعر الخوف والفزع ولم يعد للمتنمرين غير تلك النظرة والدعاء بأن يشفيه الله ويرد ولكم بالمثل في صمت منقطع لا يسمعه أحد سواه.
إن كان بين ذكائك الخارق والجنون شعرة فإنها تلك التي يحدثني بها "رشيد" حينما دعته ظروف الحياة لتقاسم المسكن والمأكل والمشرب سنوات من عمره مع من ظنَّ بهم وبعضه إثم بأن الربان الماهر وآخر "حبات" العنب الفاخر الذي زرعه في أرضه الخصبة وجد بعضه حنظلا وأطيبه "عصره" تذهب العقل، فأخذ يحدث نفسه متسائلا من به نقص في عقله ومن يدعي كماله فليأتِ ليقضي ساعة من نهاره مع من أساء بهم ظن وأقره دون أن يعيش حيثياته ومر سقيا من تجرعه مكرهاً في زمن الحق معك وأنت به أحق ومن نازعك فيه فله الضلالة ومن اتبعه أجمعين.
ويعود قائلا كانت أجمل أيام حياتي، قرأت كثيرا وسمعت أكثر عن ما يسمى بالمرحلة "الملكية" وتعني وقتا معينا من حياتك تجعل الجميع فيه خلف ظهرك لا يشغلك بهم شاغل غير النظرة والابتسامة ومشاعر الرحمة أحيانا لمن يستحق.
قد تكون علامة تعجب تظهر بين السطور لمن يبحث في خفايا الغيب وأنا لا أجيد ترك فراغ يملؤه متصيدو الثغرات وكاسرو القامات إنها كما ترى وليس كما تظن.
تجربة لو عاد الزمان لما فعلتها! وهل تضمن أن تعيشها مرتين برضى تام فلعل الطريق اختلف ومساره ابتعد ولم تعد الرحلة ذات جدوى لفعلها- والحديث لرشيد- ربما البحث عن مشفى الأخلاق لعلي أقيم فيه ذات يوم غير آثم أو مجبر بكل قواي النفسية وكامل قدراتي العقلية بعيدا عما يُريده الناس وقريبا مما أعشقه وأحبه وأسعى إليه، فلم يعد لدي ما أخسره تعلمتها والهمتني كيف أستطيع أن أشترى حريتي دون أن أدفع مِلِّيما واحدا واحتفظت "بالقرش" الأبيض لسود الأيام.
ختامًا.. من عاش وسط الصخب اعتاد على رفع الصوت.
شيء من ذاته:
"وحدة العقل" أشد قسوة من "وحدة الجسد".. فالأولى فقدان الزمان، والثانية فقدان المكان.