جابر حسين العماني
شخصية إسلامية عظيمة عرفها التأريخ الإسلامي، بحكمتها وعلمها وتفانيها في نصرة الإسلام وأهله، ولا يوجد عالم أو كاتب أو مُفكر، إلّا وتحدث عنها، ناهلين من علمها المتفتق بنور العلم والإيمان والصلاح، لعظيم دورها الرسالي الذي قامت به من أجل نصرة الإسلام الحنيف ومبادئه وقيمه وتعاليمه، نتحدث هنا عن شخصية الإمام علي بن الحسين، والذي عرف بزين العابدين.
اقتضت الحكمة الإلهية بقاء علي بن الحسين حيًا بعد ثورة كربلاء الخالدة، فكان هو الشاب الوحيد الذي بقي من نسل الإمام الحسين، بعد مجزرة كربلاء وانتهاء الفاجعة الأليمة التي أبكت الدنيا بأسرها لمقتل حفيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فكان علي بن الحسين الأداة الإعلامية الأولى، التي نقلت للأمة الإسلامية الحقيقة الكاملة والواضحة والصريحة لتلك المصائب والحوادث البشعة التي ألمت بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أيام عاشوراء من شهر محرم الحرام عام 61 للهجرة النبوية الشريفة.
استطاع الإمام علي بن الحسين في تلك الحقبة الزمنية الخطيرة والحساسة في عهد أقسى حكام وطغاة بني أمية، العمل الجاد والمستمر، وذلك بحمل راية الإصلاح الكريمة التي حملها قبله والده الحسين بن علي عليه السلام وقتل من أجلها حيث كان يقول: "وَإنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلاَ بَطِرًا وَلاَ مُفْسِدًا وَلاَ ظَالِمًا، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ اَلْإِصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ اَلْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اَللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلْقَوْمِ بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ اَلْحٰاكِمِينَ" [كتاب الفتوح: ج5، ص33].
عاش الإمام علي بن الحسين ظروفًا قاسية، إلّا أنها لم تمنعه عن التخلي عن دوره الرسالي تجاه الأمة، كان يُربي الناس بأسلوبه الأجمل والأمثل من خلال نشر ثقافة الدعاء، والذي كان يُبيِّن من خلال تلك الثقافة الجميلة أهداف ثورة كربلاء، وكيف ينبغي على الأمة محاربة الكفر والإلحاد والظلم والطغيان، الذي ابتليت به الأمة بعد رحيل الرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "اَلدُّعَاءُ سِلاَحُ اَلْمُؤْمِنِ، وَعَمُودُ اَلدِّينِ، وَنُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ" [الكافي: ج2، ص468] ( بحار الأنوار: ج90، باب فضل الدعاء والحث عليه).
كنتُ في أحد المطارات أتصفح كتاب "الصحيفة السجادية" للإمام علي بن الحسين، فاستوقفني أحد المسافرين قائلًا لي: لقد سمعت باسم هذا الكتاب، وأنه يحمل بين جانبيه أدعية عظيمة تدخل القلوب بلا استئذان لجمال كلماتها وعظيم بلاغتها، فهل لك أن تدلني أين أحصل على هذا الكتاب؟ قلت له: لا حاجة للبحث عن الكتاب خذه الآن هدية مني إليك، فأنت أخي في الإسلام وتستحق الخير الكثير، سلمته الكتاب وجعل يتصفحه بشغف وبعد فترة رأيت عينيه تنهمر بالدموع وهو يقول لي: ما أعظم هذه الأدعية، فسألته عن الدعاء الذي جعل عينيه تنهمران بالدموع، وإذا به يفتح دعاء الإمام علي بن الحسين مخاطبًا لله تعالى:
"مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْحَيُّ وَأَنَا اَلْمَيِّتُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلْمَيِّتَ إِلاَّ اَلْحَيُّ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْقَوِيُّ وَأَنَا اَلضَّعِيفُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلضَّعِيفَ إِلاَّ اَلْقَوِيُّ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَأَنَا اَلْفَقِيرُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلْفَقِيرَ إِلاَّ اَلْغَنِيُّ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْكَبِيرُ وَأَنَا اَلصَّغِيرُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلصَّغِيرَ إِلاَّ اَلْكَبِيرُ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْمَالِكُ وَأَنَا اَلْمَمْلُوكُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلْمَمْلُوكَ إِلاَّ اَلْمَالِكُ".
أخيرًا.. عزيزي القارئ الكريم أدعوك لاقتناء كتاب الصحيفة السجادية، والمواظبة على قراءته، فهو يحتوي على الكثير من الأدعية العظيمة والمباركة التي تعرض لذكرها الإمام علي بن الحسين بهدف تربية الإنسان وإخراجه من ظلمات الوهم والجهل إلى نور الفهم والعلم، فما أعظمها من أدعية تربطنا بالله الواحد الأحد، بل وتجعلنا نشعر بالسعادة والانشراح والسرور، ذلك لأنها تؤكد على أهمية ذكر الله، وقد قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] صدق الله العلي العظيم.
ولقد كان علي بن الحسين وما زال المدرسة الخالدة التي سيبقى المنصفون في العالم يتعلمون منها العبادة لله تعالى والسلوك والأخلاق والقيم والمبادئ الأسرية والاجتماعية التي كان يوصي بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وسيبقى علي بن الحسين الرجل والعالم والفقيه الذي تعرف البطحاء وطأته كما قال الشاعر الكبير الفرزدق:
هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ // وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ // هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ
هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ // بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا