راشد بن حميد الراشدي **
وسائل التواصل اليوم وما تشكله من تلوث ذهني لعقولنا أصبح شيئًا لا يُطاق؛ فالإعلام الدولي بكل مستوياته وأجهزته القديمة والحديثة لم يستطع أن يلوث عقولنا إلا بنسب بسيطة لا تذكر عبر تاريخه.
أما اليوم ومع الانفجار التقني والإلكتروني والجيل الجديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي القادم سيكون تلوث عقولنا بنسب عالية جدا قد تصل إلى 100% من الفكر الإنساني وسيكون فكرنا وثقافتنا عقيمة معتمدةً على ما يفرضه علينا عالمنا الافتراضي الجديد.
وتلوث الفكر بات مشكلة كبيرة مؤرقة للإنسانية جمعاء؛ فالدين والقيم والمبادئ وأسس الفطرة والتربية السوية ستذهب أدراج الرياح، فنحن اليوم نستقبل كل شيء ونؤمن بكل كذبة وخرافة ومقطع يُرسل لنا أو نتواصل معه من خلال برامج التواصل المتعددة، ونفقد مبادئنا وأخلاقنا في كشف عوراتنا بكل سهولة ويسر. إضافة إلى ما نشهده من تنازل البعض عن القيم والعادات والثوابت التي تربينا عليها بهدف الشهرة الزائفة الزائلة، فأصبح العالم كالمجنون ينساق كبيرهم وصغيرهم لتلك السخافات والتفاهات حتى أصبح حثالة القوم هم المشاهير والقدوة الذين يتبعهم الناس ويسعون لمعرفة أسرارهم وما يبثونه من محتوىً فارغ جملة وتفصيلًا.
التلوث الذهني أصبح أمرًا عاديًا، فبات ما كان بالأمس فيه من تحفظ ورؤية بأنه فاسد وساقط، عاديًا لدى ملايين البشر، فإنقاد الناس إليهم ونسوا أخلاقهم وثوابتهم، وأصبحنا نناقش ثقافة وسائل التواصل، بدلًا من مناقشة ما يهم الناس في دنياهم وأخراهم.
لقد نجح أبالسة العالم في اكتشاف وصناعة واختراع أهم أدوات الشيطان التي فيما أعتقد لم يستطع أحد عبر التاريخ اختراع أدوات ووسائل مثلها، فترى الناس كالمجانين في لهفتهم لاستخدام تلك الأجهزة ذات البرامج المتعددة ليصل الاستخدام السيئ لمستوى الإدمان اليومي والاستخدام الحسن لنسب بسيطة جدًا.
إنني أومن بالعلم والمعرفة، ولكن في مجال خدمة العلم للبشرية، وليس من أجل تلويث عقولها ودمار بنيانها كما يحدث اليوم من سرقة وتلويث لعقول البشر؛ حيث أصبح كثيرًا منهم جسدًا خواءً.
لقد مارست مجتمعات كثيرة حب السيطرة على عقول الناس عبر إعلام مرئي ومسموع وأجندة موجهة، لكنها لم تنجح كما نجحت اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكل برامجها ومصائبها، فأصبح البشر متوحدين مع ما يُقال لهم ويُساق إليهم، بلا فكر أو تفكر، يعيشون في عالم افتراضي من الوهم، وأصبحت تلك العقول النابغة في مهب الريح تقاد ببرامج تافهة تستحي الولوج إليها ومشاركة المتابعين لتلك التفاهات التي تدار فيها.
يبلغ التلوث الذهني والفكري حدهُ، عندما ترى الكبير قبل الصغير يتابع أخباره من وسائل التواصل، وينهل العلم عبر مقاطع ومقالات مُضللة لا صحة لها، وفي مختلف المجالات، وبمئات الآلاف يخرج لنا عباقرة التواصل ذلك الكم الغث من نتاجاتهم غير الصحيحة والمقصود منها تضليل البشرية وشراء عقولهم وما حوته جيوبهم من مال يتكسب منها المشاهير ورواد التواصل والمواقع المختلفة وبالملايين بدون رقيب أو حسيب أو ذوي لُب بصير.
اليوم أناشدُ الجميع ضرورة الوقاية من هذه الأفكار الهدامة، وهذا التلوث الفكري والعقلي المقيت، من خلال عدم الانقياد نحو تلك التفاهات وتشويش العقول وتزييف الحقائق والوقائع والانحلال عن الفطرة السوية والأخلاق والقيم الإنسانية الحميدة، والبعد عن الرذائل المدسوسة، لنحيا بسلام وأمان دون تلويث لعقولنا وأفكارنا ومبادئنا وأخلاقنا وديننا؛ المؤمن مؤتمن على كل شيء، فكيف على عقله وروحه التي يعيش بها؟!
ولنأخذ الجيد المتاح ولنترك السفيه العقيم يذهب أدراج الرياح، ولننتبه، فقد تعودنا على تلك البرامج الملوثة بالخبث والمكر دون أن نفكِّر في العواقب، وأصبحت عقولنا وعقول أجيالنا خواء مما أمرنا الله به من طاعات وعلوم وتشبث بدين الله القويم وعبادته لنيل شرفي الدنيا والآخرة.
الحديث يطول.. لكن أصبح تلوث العقول بوسائل التواصل مرضًا يجب مُعالجته واستأصله من مجتمعات يسودها الخير بُنيت على المحبة نورها الإسلام وعتادها أخلاق بلغت ذرى المجد وسيرتها قاموس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وختامًا.. أدعو الله أن يحمي أمتنا وأبناءنا من فتن الدهر وخبائثه التي ألقت حبائل الشيطان بمكرها على كل مجتمعات العالم ولعُمان وأهلها كل خير وسؤدد وفلاح.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية