"الماسونية" وخيوط المُؤامرة الكونية!

 

حمد الناصري

 

عُرفت "الماسونية" بأنَّها حركة عالمية سرية واسعة الانتشار، يُحظر في عقيدتها مُناقشة الدِّين رغم ارتباط تقاليدها وأعرافها الوثيق بالدِّين اليهودي وما يتعلق به ولها نفوذ كبير ضِمن مسؤولين وحكومات ومُتنفذين حول العالم ناهيك عن مُجتمعنا العربي، وظاهر هذه الحركة هي أنها مجموعة من الرجال تتشارك أفكارا وأهدافاً مُعينة يتعاونون فيما بينهم لمُساعدة بعضهم البعض كإخوة، ولذلك يُسَمون أنفسهم أيضًا "أخويّة البناؤون الأحرار"، إشارة إلى هدفهم في إعادة بناء هيكل سليمان، مِن خلال التشارك في الأفكار دون فرض اعتناق أي دِيْن. ويَلتقون عادة وبشكل علني في نوادي الروتاري ومحافل المجموعة المُنتشرة حول العالم.

ويبدو للوهلة الأولى أنّ الماسونية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بـ"الإلحاد"، ولكن هذا الطرح غير وارد لكون أعضائها من ديانات مُختلفة ومن ضِمنهم رجال دِين!

وقد كتبت فاطمة بنت ناصر في مجلة الفلق الإلكترونية في 30 يونيو 2019: "لطالما أثارت هذه المنظمة الغامضة مخيلة الناس ليحيكوا حولها قصصًا أشبه بالخيال، وأصبحت مثالًا للمؤامرات السرية التي تهدف إلى خراب العالم الإسلامي بشكل خاص؛ فالمنظمة ما زالت تمارس نشاطاتها بحرية كأي جماعة أو نادٍ معترف به رسميًا، وقد تعلمون كذلك أن لهذه المنظمة فروعًا في دول عربية مختلفة أبرزها مصر، وكانت لها عدة محافل أنشئت إبان الحملة الفرنسية، وكانت تمارس عملها بحرية، ولها منشورات تطبع رسميًا مثل نشرة (التاج المصري) وهناك أسماء معروفة انضمت إلى ماسونية مصر منها: جمال الدين الأفغاني، وسيد قطب، وعبدالقادر الجزائري، والأمير محمد توفيق وغيرهم الكثير، وكما نرى، فمنهم أسماء لمفكرين إسلاميين قبل أن تتشوه صورة الماسونية في البلاد العربية. غير أن ما أثارني لكتابة هذا الموضوع؛ جملةٌ في أحد الكتب تفيد أن أحد السلاطين كان ماسونيًا؛ فقد كنت أعتقد أن هذه الحركة نشطت في بلاد الشام ومصر، ولم يكن لها وجود في عُمان. ومع ندرة المعلومات وقتها حول وجود الماسونية في عُمان؛ إلا أنها مادة مثيرة وتستحق العرض".

وقد كتب الأستاذ خميس بن راشد العدوي بتاريخ 17 مارس 2021 مقالا بعنوان "الماسونية.. والماسونية في عمان" كرد وتعقيب لما كتبته الفاضلة فاطمة بنت ناصر؛ حيث قال "وأبدأ برأيي حول الماسونية نفسها، ثم أردفه برأيي عن مقال الكاتبة، وتحريري هنا يحاول أن يتجاوز المزايدات التي صُوّرت؛ بل استُغلت فيها الماسونية كأداة لمواقف سياسية ودينية؛ وأحيانًا اجتماعية واقتصادية، وأن يطرح المسار المنطقي للماسونية؛ نشأةً وتطورًا ومآلًا".

وبعد عرض مُختصر للماسونية، يرى العدوي "أن الماسونية، ليست شيئًا جديدًا، وأن زمن الفضاء المفتوح سوف يكتب عنه في قادم الأيام. وأن مقال أ. فاطمة بنت ناصر، لا تتوفر فيه شروط التحليل الموضوعي للبحث التاريخي".

وربما يُريد أنْ يقول إنه مجرد سبق صحفي لا غير. وبالتالي فإن مقال الكاتبة فاطمة ناصر، يفتقر إلى الموضوعية وإلى القيمة المطلوبة في التحليل التاريخي المنطقي للواقعة وتفاصيلها، فمثلا أوردت الكاتبة أعلاه، وثيقة انضمام السيد تركي الذي ذكرته بعض المراجع دون الإشارة إلى أنه حاكم عُمان، وأن ما عُرض في تلك الوثيقة الماسونية الأمريكية أنّ السيد تركي أحد أعضاء الماسونية، فمن هو تركي، حاكم أم غير حاكم، عُماني أم غير عُماني. وأنّ كلمة سيّد، ليست بالضرورة تُشير إلى حاكم عُمان.

الخلاصة.. تم تصوير الماسونية كبعبع ومُنظمة مُحاطة بالغموض والتكهنات بينما الانتماء لها ليس جريمة ولا يتعارض مع التوجه الديني أو الوطني للعضو ولا ترتبط بالإلحاد أو التآمر على الأديان طالما أعمالها ترتبط بصالح للناس، ولم يَثبت حتى الآن ارتباطها بأفعال مُنافية بالدِّيْن، وإنما هي تنطلق من فكر التعاون والتشارك وتقديم ما هو نافع لكل مجتمع، دون أنْ ترتبط بالدين.

والحقيقة أنّ تاريخ الماسونية ليس فيه دليل على تكفير دِين أو القيام بأعمال منافية للأخلاق العامة وإنما هي تحمل مبادئ التعاون الإنساني ولو ظاهريا علًى الأقل. وأنّ ما ذُكِر في المصدر التي أوردته الكاتبة فاطمة، حول المدعو محمود جمعة، ضابط السفينة الحربية التي ذُكِرت لإمام مسقط، رغم أنّ هذا الاسم، ذكرته المصادر التاريخية في عهد الإمام سعيد بن سلطان البوسعيدي (1807ـ 1856 Mahmoud Jumah) وقد وردت تفاصيل انضمامه في كتيّب أصدره المحفل الماسوني في ولاية إلينوي بأمريكا يضم قوائم بالأعضاء الذين انتسبوا للماسونية من مختلف الولايات الأمريكية، وتم نشره عام 1867م، ولم نجد هناك دليلًا موثوقا تمامًا على انضمام شخصية كبيرة من عُمان إلى الماسونية.

تعليق عبر الفيس بوك