عائض الأحمد
هل سبق وشاهدت أفكارك؟ هل سبق وبحثت في أعماقك؟ إن كان فهل تستطيع البوح بمشاهداتك أم أنه التنظير الخارجي وما خفي كان أوضح!
نتسابق في ارتداء معطف الفضيلة في البرد ثم خلعه في ارتفاع درجة حرارة أجسادنا ونعيد الكرة مثنى وثلاث ورباع متجاهلين مبادئ أقوالنا وليس مصادر أفعالنا، فنحن قوم يقولون مالا يفعلون فمنا من يصنفها حكمة، وآخر ذكاء اجتماعي، وآخرون كثر "فلفسة عصر" وكأن شمس عصره لن تغيب بما اقترفه لسانه.
لو تتبعت وظائف جسدك وراقبتها أقل من عشر دقائق تحت مشرط جراح لاستصغرت كل هذه الترهات التي تدعو لها ولأظهرت كل ماتبطنه من أفعال لم تعد ترقى لعمل إنساني ولم تعد تجدي نفعا لبشر يصيب ويخطئ أن تعمد "التنظير" وهو يكفر حد الشرك بقدراته الخارقة في صومعته المنعزلة عن أعين البشر، ثم يسبح بحمد من حوله أنا هنا وأنتم خير أمة أخرجت للناس.
وإن ظهر أحدهم وقال كفاكم، قامت قيامة هذا الصغير المتعصب الأهوج، وإن صفق واستمع حتى النهاية قالوا ما بال هذا الرجل يسمع ولا يعقل، وإن حالفه الحظ قالوا يسمع ويعقل ولكنه يفتقد أهم مميزات الرجال الناجحين الصبر والذكاء والحكمة والمبادرة والشجاعة وكل أنواع الفروسية.
لدى البعض قناعة بأن العصر الذي يكثر فيه ما يسمى بـ"المستشارين" نقمة تورث أعباءً لمن استحدثها فما بالك بمن اقتنع حد الإيمان وكأن كل هذه الخبرات المكتسبة في عمل ما لا تغني عن هذا المستشار "المنظر" وهو لم يبرح مقعده يومًا ليرى ما يفعله الناس في أدق تفاصيل حياتهم.
ومن باب الدعابة وبعيدا عن مستشاري "الغفلة" يقول صديقي ذهبت يوما لمستشار أسري بعد عجزي عن حل إحدى المشاكل مع أحد أفراد أسرتي ولم يدم الحال كثيرا حتى أنهار المستشار وأصبحت القضية على مكاتب أحد القضاة، بعد أن كانت سهلة ميسرة لو لا تلك الاستشارة المشؤومة التي أوردتني وأسرتي التهلكة، ولكم القياس مع مستشاري "التنظير" وحرف الدال لبعض محبيه.
وبعد كل هذا كان العون من الله أولا وتدخلت جدتي -حفظها الله- وطلبت التنازل عن المستشار وتكفلت بحل القضية في جلسة ود لا تخلو من ابتسامتها ودعائها بأن يصلح حال المستشار بعد إطلاق سراحه رأفة ورحمة به، وبمن أوصله إلى هذه الأنا المتضخمة حد الطيش.
هؤلاء المنظرين أقرب لصناع المحتوى بغض النظر عن جودته، المهم التواجد ونشر ما لديهم، ولكن الغريب من البعض أنه يكاد يحلف بالله بأنه على حق وما دون ذلك باطل لايستحق أن تتوقف عنده فما بالك بمن عمل به.
ختامًا.. الفكر ليس له علاقة بالمال إن لم يكن جزءًا مساعدًا فهو نقمة قائمة في أيدي الجهلاء.
شيء من ذاته:
يقال في شريعه المفكرين لا تنتظر من يهديك سعادتك، فقد تكون بين يديك وأنت لا تعلم أو تتجاهل دون قصد أو في غفلة صنعتها هالة من حولك.
ويقال في مذهب العشاق، اذهب أينما شئت فعودتك قريبة، الروح العاشقة لا تغادر أبدًا.