السعودية والتحوُّل التاريخي

 

 

د. صالح الفهدي *

أنظر -كغيري- بإعجاب مُحِب، ودهشة مبهور لما تشهده المملكة العربية السعودية من تحول تاريخي لافت وجبار خلال بضعة أعوام على مختلف الصعد: السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والرياضية...وغيرها، مما يشي بأن هناك قيادة متميزة تقود هذا البلد العظيم إلى الرفعة والتميز والنماء على مستوى العالم.

يقول عبدالعزيز محمد السبيل الأمين العام لهيئة جائزة الملك فيصل العالمية في لقاء مع MBC: ما عجزنا نحن في تحقيقه في فترة من الفترات، نشعر نحن أننا أيضاً محظوظون في أننا عشنا هذه الفترة الذهبية الكبيرة. نحن دائماً ننظر لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان كقائد ملهم وفي نفس الوقت هو ملهم لأن يصنع لنا هذه الرؤية التي تمثل مملكةً مختلفةً، تمثل حضوراً ثقافيا، واقتصاديا، وسياسيا، هذا التكامل الكبير أصبح الإنسان يفتخر به ويرفع رأسه عالياً لأنه ينتمي إلى هذا المكان الذي شع منه نور الإسلام ولكنه أصبح الآن يأخذ دوراً تنويراً دينياً واجتماعياً وثقافياً.

وحيث إنني من المتابعين للنهضة الحديثة في المملكة العربية السعودية، فإنني أرى أن ما يحدث فيها إنما هي نقلة جبارة عظيمة في تاريخ المملكة، وفقاً لاستراتيجيات واضحة، وخطط شمولية في كل منطقة.

لقد عانت المملكة العربية السعودية في سنوات ماضية من الأفكار المتخلفة التي أفسدت عقول شباب، ووجهتهم إلى ميادين هلاك ودمار أزهقت فيها أرواحهم، وكان أحرى لتلك الطاقات الشابة أن توجه لنماء الوطن وازدهاره، فإذا بالقيادة الشابة لسمو ولي العهد تصحح اتجاه البوصلة إلى القبلة الحقيقية؛ قبلة الفكر السديد، والبناء العتيد.

لقد لخَّص سمو الأمير محمد بن سلمان إعادة توجيه البوصلة بالكلمات الآتية: "نحن نعود إلى ما كنا عليه: الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على جميع العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد. 70% من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، نريد أن نعيش حياة طبيعة، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا وتطلعاته".

هذا الكلام لم يكن مجرد "شعارات" أو "كلاماً كبيراً" إنما ترجم لأفعال على الأرض في بضع سنين ليس هذا مقام الولوج للدخول في تفاصيلها، بيد أنه بالمثال يتضح المقال، فها هو الغلو الديني المتجذر لم يعد له وجود ظاهري في المملكة، وإنما حل محله الإعتدال، والتسامح، والتفاهم.

السياسة شهدت منحًى تاريخيًّا باهرًا في إظهار عظمة المملكة، واستقلال كيانها عن إملاءات القوى المهيمنة وفرض سياساتها السابقة على دول المنطقة كما يتوافق مع مصالحها، غير آبهة للأضرار التي تلحق بمصالح الدول العربية والخليجية خاصة، فإذا بسياسة المملكة تظهر قدرتها السيادية في التحكم في قراراتها دون قدرة أي كان على إكراه المملكة وإرغامها لاتخاذ القرارات التي تنتهك السيادة الوطنية، وقد تابعنا الضغوطات التي مارستها أمريكا على منظمة أوبيك عامة والسعودية خاصة مع بداية العملية الروسية في أوكرانيا فلم تلتف لها المملكة، وإنما أبدت للعالم مدى القوة السياسية التي تمتلكها في وجه الممارسات القسرية، والعنجهية السياسية. كذلك الاتجاه السياسي والانفتاح الذي أظهرته المملكة نحو روسيا والصين عبر عن قدرة المملكة على انتهاج الاتجاه الذي يخدم مصالحها لا الذي يملى عليها بالفرض والإكراه من قبل الآخرين.

الاقتصاد شهد تنوعاً كبيراً في الصناعات وذلك بإنشاء مناطق صناعية كبرى، وإنشاء موانئ ومصانع، وإطلاق الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية الهادفة لترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي يربط القارات الثلاث، والارتقاء بخدمات ووسائل النقل كافة، وتعزيز التكامل في منظومة الخدمات اللوجستية وأنماط النقل الحديثة لدعم مسيرة التنمية الشاملة في المملكة.

السياحة هي الأخرى كان لها نصيب عظيم من الاهتمام ابتداءً من محافظة العلا وما فيها من آثار لافتة للسياح من جميع أنحاء العالم إلى مدينة "نيوم" الأشبه بالخيال العلمي وما فيها من مشاريع إبداعية خارجة عن المألوف كمدينة "ذا لاين" التي تعد أعظم مشروع إنساني لبناء مدينة عصرية صديقة للبيئة.

وحيث إن السياحة تحتاج سياحًا فقد رفدت مؤخراً بمشروع عظيم تمثل في إطلاق طيران الرياض الناقل الجوي الوطني الجديد الذي أطلقه صندوق الاستثمارات العامة السعودي معلنا عن أول طلباته لأسطول الطائرات عبر شراء 72 طائرة (بوينغ دريملاينر).

الرياضة هي الأخرى شهدت تحولاً جذرياً بالمملكة بتحويل أربعة أندية (الهلال والنصر والاتحاد وأهلي جدة) إلى شركات تحت استثمار صندوق الاستثمارات العامة يملكها الصندوق، ويأتي ذلك التحول ضمن مشروع يسعى للوصول بالدوري السعودي لكرة القدم إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم. وها نحن نتابع التعاقدات التي كانت في السابق أشبه بالأحلام المستحيلة تتحقق اليوم على أرضية الواقع باستقطاب أشهر لاعبي العالم ليحظى الدوري السعودي بمتابعة واهتمام العالم.

صناعة الترفيه شهدت هي الأخرى اهتماماً واسعاً من خلال مواسم الترفيه المختلفة التي أضحت متنفساً للمواطنين والمقيمين في المملكة، وجاذباً للسياح إلى أراضيها.

لا يُمكننا في هذا المقام أن نذكر المنجزات العظيمة للمملكة العربية السعودية خلال أعوام قلائل، لكننا نود التركيز هنا على جملة وقفات:

- أولاً: التحول في حياة الأمم والشعوب ممكن تحققه بفكر وهمة قائد واحد، له تطلع طموح، وفكر وقاد، وعزيمة لا تعرف الهزيمة، وإصرار عنيد على النجاح على غرار ما حدث في سنغافورة (لي كوان يو) وماليزيا (مهاتير)؛ الأمر الذي يحدث اليوم بقيادة شابة للأمير محمد بن سلمان.

ثانياً: إن وتيرة التحول يمكن أن تكون سريعةً لتحقيق أهدافها بدفع القائد جميع قادة التحول في فريقه إلى الإسراع في التغيير، وتذليل الصعوبات، ومحق التعقيدات، وإزالة العقبات.

ثالثاً: التحول لا يتم إلا وفق إستراتيجيات دقيقة تنفذ بحذافيرها في كل مجال من المجالات، والمكتب الإستراتيجي الذي يرأسه ولي العهد في المملكة هو وراء هذه الإستراتيجيات العظيمة.

رابعاً: إن قادة التحول الذين يحققون الرؤية العليا للقائد الملهم لابد وأن يكونوا من أكفأ الكوادر الذين يتم اختيارهم دون محاباة أو مجاملة وإنما لقدرات شخصية متميزة، وقد اختارهم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بما امتلكوه من الشغف إلى جانب كفاءاتهم وقدراتهم؛ حيث إنَّه رأى حين جاء عام 2015 أن 80% من الوزراء الذين كانوا يشغلون المناصب آنذاك لا يصلحون لإدارة شركات صغيرة حسب قوله، وعلى إثر ذلك اختار من (يناسب المرحلة) من العقليات الكفوءة، والقدرات المتميزة.

خاتمة القول.. إننا نشهد أنموذجاً نهضويًّا شموليًّا في المملكة العربية السعودية، يسير وفق إستراتيجيات عملية مترابطة، ومتوازنة، ليحقق للمملكة مكانةً سياسية واقتصادية عليا بعد المكانة الدينية الكبيرة التي تحظى بها.

لا شك أنَّ الآثار الإيجابية لهذه التنمية الشاملة العظيمة تنعكس بالنماء والازدهار على شعبها وعلى دول وشعوب المنطقة الخليجية؛ فهنيئاً للمملكة بهذا الحراك التنموي الكبير، والتنمية المزدهرة الشاملة.

 

* رئيس مركز قيم