"أطفالنا أمانة".. شعار يحمل آمال المجتمع

مدرين المكتومية

استوقفتني قبل أيام مقولة مأثورة للفيلسوف السويسري جان جاك روسو، يقول فيها: "قبل أن أتزوج كان لديَّ ست نظريات في تربية الأطفال، أما الآن فعندي ستة أطفال وليس عندي نظريات لهم".. جميعنا يعلم أنَّ الأطفال هم النواة الأولى للمستقبل، هم الغد الذي نَصنعهُ اليوم بأيدينا. وكما يُقال: "الطفل نسخة والديه"، أي أنَّ كل طفل ينشأ في كنف أسرة يحكمها الرباط المقدَّس وتغشاها المودة والرحمة سيَنبُت سويًّا قادرًا على أن يكون عنصرًا فاعلاً لمجتمعه ووطنه في المستقبل، والعكس صحيح؛ فكلَّما كان كنف التنشئة مُحبِطًا مضطهدًا سيُنجب أبناءً مضطربين نفسيًّا، عدوانيين، غير أسوياء خُلقيًّا فتتلاشى قيم المسؤولية، وينشأ جيل يكون عبئًا على المجتمع، أينما توجِّهه لا يأتي بأي خير، وستظل نظرة المجتمع تلاحقهم كمُذنبِين، رغم أنهم بالحقيقة ضحايا أُسَر لم تراعِ فيهم إلًّا ولا ذمة، ضحايا بيت لم يكن واعيًا بالقدر الكافي لمسؤولياته تجاه هِبَة الله لهم.

إنَّ التعامل مع مرحلة الطفولة أصبحَ أمرًا عصيًّا على أفهام بعض أبناء جيل السرعة والتقنيات الحديثة، ممن فقدوا التفاعل المجتمعي في حيواتهم، فانتقل ذلك بالتبعية لأبنائهم، وما انتشار العيادات الخاصة باستشارات الطب النفسي للأطفال في بلادنا سوى نتاج آفات مظاهر الحياة اليوم، في ملمح لم نكن نراه بهذه الصورة في السنين أو العقود الماضية.

وأتساءل حقيقة: لِمَ لا تنطلق حملة توعوية وطنية على غرار الحملات التي تنظم بين وقتٍ وآخر للمقبلين على الزواج، تستهدف المقبلين على استقبال طفل لتوعيتهم وتعليمهم أسس ومبادئ التربية وكيفية التعامل مع أبنائهم، يُقدِّمها مختصون وخبراء من ذوي الكفاءة والخبرة للأجيال الشابة الحالية من أجل ضمان حصول الطفل على حقوقه كاملة خاصة بين العائلات التي تعاني من شتات وتفكك أسري وعلاقات ثنائية مضطربة.

أكتب هذه السطور، وأنا أستحضر في ذاكرتي المشاغبة أيام كنت طفلة يومًا، وأستذكر معها جيدًا المسؤولية التي كانت تحملها عائلتي على أكتافها كي ما أكون ما أنا عليه اليوم، وما الذي قدَّموه لي لأكون قادرة على أن أعيش بمبدأ ومشاعر محبة للجميع وبسلام داخلي. لذلك دائما ما كنت أقول: "لا تحكموا على أي شخص من موقف، لأنكم لا تعلمون ما هي قصته، ولا حجم الماسأة التي عاشها في طفولته، ولا المواقف التي أثَّرت في نشأته".

إنني أستبشر خيرًا بما طالعتنا به الأخبار عن الحملة التوعوية التي تنفذها وزارة التنمية الاجتماعية واللجنة الوطنية لشؤون الأسرة ومكتب اليونيسيف بالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، والتي تحمل عنوان "أطفالنا أمانة"، والتي في نظري استكمالٌ إيجابي لجهود حكومتنا الرشيدة، وامتدادٌ لعاداتنا الراسخة الأصيلة، التي تؤمن يقينًا بحق كل طفل يعيش على ثرى هذا الوطن الطيب أن يحصل على كافة حقوقه وواجباته، وهي حملة تستهدف بالدرجة الأولى حياة الطفل ورفاهيته، والعمل على تعزيز القيم والسلوكيات الصحيحة، وتقديم الحماية الكاملة له، تحت مفهوم "المسؤولية المشتركة"، من خلال تقديم واستعراض أفضل الممارسات لضمان تقديم الرعاية المثلى لهم.

إنَّ حملة "أطفالنا أمانة" شعارٌ يحملُ معه آمال المجتمع بأكمله في أن توجِد بيئة آمنة لأطفال عُمان ليعيشوا براءتهم، وضمان تلبية احتياجاتهم العاطفية والجسدية والمعرفية والاجتماعية، لتنشئة جيل قادر على حمل أمانة المسؤولية المُلقاة على عاتقه، بإمكانيات عالية وطاقات وقَّادة، ليكونوا بُناة غدٍ نتطلع جميعنا أن يكون أكثر إشراقة وألقًا.

الأكثر قراءة