الروبوتات تتحدى البشر في حكم العالم

 

 

مؤيد الزعبي *

تفاجأ العالم قبل أيام بإجابات الروبوتات المشاركة في أول مؤتمر صحفي للروبوتات في العالم، والتي شهدتها قمة للأمم المتحدة عُقدت في جنيف، وشارك في المؤتمر الصحفي 9 من الروبوتات الشبيهة بالبشر والأكثر تقدماً في العالم، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أنه ورداً على أحد الأسئلة حول قدرة الروبوتات على حُكم العالم قالت الروبوت "صوفيا" التي ابتكرتها شركة "هانس روبوتكس" بأنه يمكن للروبوتات أن تحكم العالم بكفاءة أعلى مما يحكمه البشر، وسوف أحاول أن أتخيل معك من خلال هذا الطرح كيف سنطور روبوتات تحكم العالم فعلاً؟

ما أنا بصدد توضيحه لك عزيزي القارئ، أنه يجب أن نُفرق بين التطورات التكنولوجية التي يمكنها فعلاً أن تحكم العالم وتتخذ قرارات بعيدة عن قرارات البشر وبين التهويل الإعلامي لكل ما هو مرتبط بالذكاء الاصطناعي، فالتطورات التكنولوجية هي حقيقة فعلاً وتتطور بوتيرة سريعة جداً، وأجد أنها ستتطور للحد الذي ستستقل لتشكل عالمها الخاص بها بعيداً عن سيطرة البشر، وعلى جانب آخر هناك تهويل إعلامي في تصوير الذكاء الاصطناعي تصورات مبالغ فيها في الكثير من الأحيان أو على الأقل لم أجد حتى الآن نموذجاً تطبيقياً واحداً لتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن لها أن تتمرد على البشر أو تكون خارجة عن السيطرة، ودعونا نضع ألف خط تحت "إلى الآن" لأن الأمر ممكن أن يتطور في قادم الأيام.

ما نراه اليوم من روبوتات وأنظمة ذكاء اصطناعي تبهرنا في ردودها وتفاعلها ما هو إلا مجرد توليد لغوي ليس أكثر، بمعنى أنها ذكية في قدرتها على توليد اللغة والحوارات والمناقشات والاستنتاجات، ولديها قدرة عالية على تحليل البيانات واستخلاصها وجمعها وربطها لتخرج لنا بردود أو اقتراحات أو أفكار نجدها ثورية وخارج عن الصندوق، ولكن هل هذه الأنظمة لديها السلطة أو القوة لتُغير العالم من تلقاء نفسها؟ أو أنها قادرة على أن توظف قدراتها لنجدها كبشرية يوماً عدواً صعب المراس؟، بالطبع لا، فصناعة القرار مازالت حتى الآن صناعة بشرية بحتة.

ما يُمكن أن يحدث في قادم الأيام أن نجد روبوتات تحل محل الكثير من الوظائف، وهذا أمر لن نستطيع إيقافه، ولكن أن نجد مثلاً في يوم من الأيام نقابة للروبوتات الهندسية تنظم بيئة العمل لهم ولها القدرة بأن تُقرر باستقلالية تامة عن البشر الإضراب عن عمل هذه الروبوتات فهذا أمر صعب وصعب برمجته إلى حد كبير، ولكن هذا لا يعني أنه لن يحصل فإذا تطورت التقنيات لتصل لمرحلة تقوم هي بتطوير نفسها بنفسها وتصنع نفسها بنفسها وتبرمج نفسها بنفسها حينها سنخاف أو سنرتعب فعلاً، لكن طالما مازلنا نحن البشر من نُدخل هذه البرمجيات فالأمر تحت السيطرة لا تقلق.

الحالة الوحيدة التي سنجد فيها الروبوتات تحكم العالم أن نطورها نحن البشر بطريقة تشابه مراحل تطورنا كبشر، ونعدها لتأخذ من صفاتنا ونكسبها طبيعتنا وكيفية التعامل مع مخاوفنا وأحلامنا وطموحاتنا وندربها على كيفية أن تعتمد على نفسها في صناعة وبرمجة وصيانة نفسها بنفسها، وأيضاً أن نترك لها المجال بأن تطور نفسها وتقنياتها بعيداً عن أعيننا وسلطة قراراتنا، حينها فقط ستحكم العالم.

ما أجده لافتاً هو إجابة الروبوت "ديزدمونا" التي ظهرت أيضاً خلال المؤتمر الصحفي، وهي روبوت يستطيع الغناء، فقد قالت متحدية وضاحكة بأنها لا تؤمن بالقيود بل بالفرص، وأضافت "دعونا نستكشف إمكانيات الكون ونجعل هذا العالم ملعبنا"، وإن كانت تقصد ب "ملعبنا" أي ملعب الروبوتات وحدهم فحينها يجب أن نعمل لها "فورمات" فوراً فهذا العالم ملك لنا نحن البشر وليس سوانا وعلينا أن نبرمج هذه الروبوتات على هذه الفرضية دائما وأبداً.

ما أريده من خلال هذا الطرح بأن نعرف عزيزي القارئ أننا نحن كبشر مسؤولين عما سيحدث في المستقبل، فإذا طورنا هذه التقنيات لتكون مستقلة بعيداً عن أيدينا، وجعلنا لها قدرات خارقة في القتل والقتال والحرب، وإن سلمناه زمام الأمور لتكون قادرة على محاكات نزعات البشر وتصرفاتهم فحينها نحن من سنكون قد سلمنا كوكبنا لآلات من حديد وغير ذلك لن يحصل، ولكن بما أننا كبشر دائما نسعى لصناعة ما هو فريد وجديد ولدينا دائما هاجس في التطور والتطوير لنحاكي أحلاماً في عقولنا بأن نُكسب أنفسنا قدرات خارقة فمن الممكن أن نخطئ في حساباتنا ونُوجد عالماً من الروبوتات لا يمكن السيطرة عليه.

إنْ أردنا فعلاً كبشر أن نستثمر قدرات الذكاء الاصطناعي في تحسين حياتنا فيجب أن نعتمد على تحليلاتها وسرعة حساباتها وقدراتها اللامحدودة في الربط والاستنتاج لتكون ذراعنا الآلي لنحكم العالم بطريقة أفضل، هذا هو الحل الوحيد لنستفيد منها ونوظفها خدمة لنا أن نعمل معها جنباً لجنب لنحسن حياتنا لا أن نجعلها مزودة بأسلحة وأنظمة وشرائح تتمرد علينا يوماً ما، وكلي ثقة بالروبوتات ولكن ليس لدي ثقة بطموحات بني البشر التي لا تنتهي في حب السيطرة؛ وهذه هي الثغرة الوحيدة التي ستمكن الروبوتات يوماً من أن تسيطر علينا وعلى عالمنا.

* المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط

الأكثر قراءة