إسماعيل بن شهاب البلوشي
عندما أوجد الخالق عز وجل البشرية على الأرض ليكونوا خليفته فيها، جعل فيهم صفة التكامل كي تسهل معيشتهم، حيث إن الإنسان كفرد هو بطبعه مُكمِّل للآخرين ولا يوجد إنسان كامل؛ فالكمال لله وحده، وكذلك فإنَّ الصفات المتباينة في البشر هي مخزون إيجابي بمختلف الطبائع والصفات، وموزع بطريقة رائعة، وما علينا إلا أنْ نكتشف مواطن القوة لأي إنسان، ولقد تنبَّهت بعض الدول إلى ذلك، فجعلت من أسلوب التعليم -ومنذ الخطوات الأولى للطفل- طرقاً لاكتشاف المواهب لتنميتها بل وتقويتها، والتركيز عليها بنوعية التعليم، ليكبر ذلك الطفل الإنسان ويجد نفسه في المكان المناسب، كي يستمتع بحياته ويقدم الخدمة لغيره، أما بعض الدول فإنها تعيش على مسار الصدفة في التعليم وغير التعليم، ويمكن أن ترى طالباً يتعلم لمجرد الشهادة وقد يذهب للجامعة بنفس الفكر، بل قد يتخرج من كلية زراعية ويعمل في السياحة مثلاً، لذلك فإنَّ هذه الدول تبقى على حياة تَسِير بها الأحداث، وتوجِّهها حركة السوق العالمية اقتصاداً والمشهد العالمي سياسةً، فتجدها دوماً في غير استقرار، وتتوجَّس من كل شيء وتتأثر بكل شيء، ويمكن أن تجد نفسها يوماً لا تجد قوت يومها.
ما ذكرتُ سلفا هو المشهد الأقل تأثيراً على بعض الدول؛ حيث إنها يمكن أن تكون في حياة مناسبة نوعاً ما، ولكن أصعب ما تعيشه بعض الدول أنها لم تستفد إلا من فئة محدودة من البشر، وهم المنظرون المتقنون لفن العمل في المكاتب وعلى الورق، والتنظير بأجهزة الباوربوينت وهم علماء عصرهم والمنقذون من أي حدث، والقادرون على عمل المعجزات داخل الغرف المكيفة، ولو أن واحدًا منهم نزل إلى ميدان العمل لكان غريبًا بين ما كان يقول وما وجد فيه نفسه وما يُطلب منه. أما الكارثة الكبرى، والتي يستطيع أن يراها كل متابع لبعض الدول، أنَّ الإنسان وما إذا كان يوماً في منصب ما، وكان على معرفة ببعض من عمل معه، فعندما يذهب لعمل آخر، أو يترقَّي في مهنته، ويكون محلَّ ثقة بالاختيار، فلا يكون في ذهنه ولا بصيرته إلا من كان يعرف ومن عمل معهم سابقاً معتقداً أنهم الأفضل والأنسب، وينسى الدنيا وما بها وما عليها، ويكون اختياره منهم فقط، وهذا الخطأ الجسيم وقعت فيه الكثير من الدول، ومن خلاله تمَّ تهميش عقول رائدة في العطاء، ولم يوجد لها أي أسلوب وطرق لاكتشافها والاستفادة منها، وبذلك تجمَّدت الأفكار وتحدَّدت الطموحات، ولم يستفد من الإنسان كمجموعة إنما من العدد الأقل، في حين أن تلك الدول كان يمكن أن تكون أفضل كثيراً جداً من خلال الاختيار من القاعدة العريضة، وليس من العدد المحدود هنالك جانب آخر ليس أقل في أهميته، وهو أن العمل الذي تكون به خدمة الناس وتطوير الدول أن يكون لدى المسؤولين برنامج مكتوب ومعلن للمستوى الأعلى وحتى المواطن، ويكون موضحا به تفاصيل عمل أي مسؤول حتى على مستوى الوزراء كي يكون الجانب الميداني له نصيب وافر من خلال ذلك البرنامج، فيه تقفل المكاتب بكل من فيها، ويتحول المسؤول من العمل المكتبي إلى مواقع التنفيذ، هنا ستكون لذلك فوائد لا حصر لها، لعل أقلها معرفة من يقدمون الخدمة ومن هو الفاعل فيهم وما هي المصاعب التي تواجههم، كذلك فإنَّ المسؤول سيطلع على رضا المواطنين واقتراحاتهم وما يواجهون، ولعل الأهم من ذلك أن المسؤول سيعرف نفسه ونتائج قراراته، وما يجب عليه تغييره، والعمل على تحسين الخدمة المقدمة عندما تقفل المكاتب، ويلتقي الجميع في الميدان، حينها سيعلم الجميع وسيتعلم الجميع وسيرضى الجميع. أما العكس، فهو ما يعرف بالاختباء الاختياري وأكثر من يعملون به هم أولئك الذين لا جديد لديهم، ومُؤكَّد أن الخدمة التي يقدمون ستكون دوماً محل حديث وتكهنات.