حماية المجتمعات الخليجية

 

 

د. صالح الفهدي  *

استشعرتْ دول الخليج العربي الخطر الداهم على مجتمعاتها والذي يتقصَّد هدم كيان الأُسرة، وفساد الأخلاق، وفرض قوانين الميول الجنسي، والتحوُّل الجندري، وعدم الإِساءة إلى الشَّواذ، وعلى رغم تأخُّر الاستشعار بهذا الخطر إلا أنَّ الاهتمام من قِبل دول مجلس التعاون ممثلاً بأمانته العامة يعدُّ خطوةً مهمَّة لا مناصَ منها في الحقيقة، ولا خيار دونها.

لقد بات الأَمرُ واضحاً جدًّا لا يحتاجُ إلى برهان؛ فالدول الغربية رضخت لقوى منحطَّة، وفرضت على شعوبها قبول الانحدار الأخلاقي مبتعدة عن ديمقراطيتها ورأيها العام في هذه القضية، فقنَّنت ما شاءت من قوانين أخرجت بها الأُسرة النووية المكونة فطريًّا من الأب (الرجل)، والأُم (المرأة) وأبناؤهما، إلى أُسرة ذات كيانٍ شاذ لا يقبله العقلُ قبل أن تعارضه الفطرة الإنسانية السَّوية.

ولم تستكفِ هذه الدُّول بفرض فسادها الأخلاقي على شعوبها، بل أرضعته لأطفالها مع حليبهم في المدارس في مراضع كريهة الرائحة، قبيحة المنظر من المواد الخبيثة لتُنشأ جيلاً منحرفاً عن فطرته الطبيعية، ومزدوجاً عن جنسه الذي خلقه الله تعالى عليه. لقد تحقَّق وعد إبليس فيهم كما جاء في القرآن الكريم: "وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا" (النساء:119)، بل إنها زادت على ذلك فأرادت أن تفرضهُ على العالم بأسره تحت مظلَّة زائفة هي "حقوق الإِنسان" والإِنسان -بفطرته السليمة- بريءٌ كل البراءةِ منها..! فها هي فرنسا تعيِّن سفيراً خاصًّا للترويج للمثلية سيجوب العالم من أجل نشر القذارات، وفساد الأخلاق، وانحطاط القيم!

بصراحة نقول إنه من المؤسف أن دولنا لم تكترث طوال السنوات الماضية بتحصين النشأ، وتعزيز القيم في أجيالها، ولو أنها خصَّصت جزءًا ضئيلًا مما تصرفه من موازناتٍ مالية هائلة في مجالات التنمية الاقتصادية لكانت مجتمعاتنا اليوم في منعةٍ أقوى، وحصانةٍ أعظم، لكن الحكومات صرفت النظر عن تعزيز قيم مجتمعاتها، وتركت للتفاهة تتفشَّى فيها، واستخسرت أن تدعم الجهود المبذولة في هذا المنحى ماليًّا، بل إنها أفسحت المجال للتافهين الذين أضروا بأخلاقياتها الأصيلة كي يمضوا بعيداً في انتهاك الأخلاق، وتسفيه العادات، حتى تقدَّموا القدوات الصالحة في المجتمع، وحظوا بتقديرٍ مبالغٍ فيه على حساب المبدعين من أبنائها!

على كلِّ حال، لا مناص من تحصين الأُسس القيمية في المجتمعات الخليجية التي يرتبطُ مصيرها الوجودي بمصير هوياتها الوطنية، يقول الزعيم الهندي المهاتاما غاندي"لا أمانع في أن افتح نوافذ بيتي حتى تهب عليه رياح جميع الثقافات، شريطة ألا تقتلعني من جذوري".

إن دولنا اليوم لا تحتاج إلى أسوار إسمنتية لتحمي حدودها من تفشِّي الغزو الأخلاقي، بل تحتاج إلى حصانة قيمية تحصِّنُ بها شبابها، وتهذِّب عليها ناشئتها، وتؤسس بها أطفالها منذ نعومة أظفارهم.

دولنا اليوم بحاجة لتعزيز القيم الأخلاقية والدينية والأُسرية بطريقة عصرية تناسب لغة العصر، وتستطيع الوصول إلى شرائح مختلفة في مجتمعاتها، ووفقاً لذلك فعليها أن تراجع خطاباتها الدينية والإعلامية من أجل تحديثها ومواكبتها مع العصر.

دولنا اليوم بحاجة إلى إعادة الاعتبار إلى المخلصين المبدعين أصحاب الرسالات الهادفة من أبنائها ووضعهم في المكان اللائق بهم وفي المناصب التي يمكن أن يسهموا من خلالها في رقي مجتمعاتهم على قيمٍ أصيلة.

دولنا اليوم بحاجة إلى محاربة التفاهة وتقليص ظهور التافهين، ونصرة أخلاقياتها، ودعم الجهود المبذولة في سبيل تعضيد الأخلاق، وتقوية الحصانة القيمية لمجتمعاتها.

دولنا اليوم بحاجة إلى أعمال ممنهجة؛ واقعية الطرح، قابلة التطبيق، مستمرة الجهود في كافة المجالات التي تعزز قدرات الإنسان وتحفظ كيانه الإنساني السليم.

دولنا اليوم عليها أنْ لا تبخل في ضخ الأموال لإصلاح ما اعتور مجتمعاتها من خلل بسبب الفساد الأخلاقي، والغزو القيمي الممنهج.

دولنا اليوم بحاجة إلى تأسيس كيانات تحفظ للمجتمع شخصيته القائمة على الهويات الأصيلة، والقيم الرفيعة ووضع أهل القدرات والكفاءات لإدارة شؤونها.

هذه واجبات على دولنا أن تقوم بها إن كانت حريصةً على مجتمعاتها من الاندثار والتلاشي في مواجهة هذا التيار العاتي من العصف المحمَّل بالأقذاء والأدران ليغرق مجتمعاتنا فلا يعود لها من كيان واضح، وهي التي طهرها الله بالإسلام، ونزَّه أنفسها بالإيمان وجعلها خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس.

 

* رئيس مركز قِيم