جابر حسين العماني
jaber.alomani14@gmail.com
عرف خليفة المسلمين علي بن أبي طالب منذ ولادته ببطن الكعبة وحتى استشهاده بمحراب المسجد، بمزايا وخصال كثيرة، جعلتْ من شخصيته المباركة شخصية عملاقة مرموقة بين الناس، عرف بالعبقرية والذكاء والحكمة والحنكة والعدالة والإحسان، ربَّاه النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأحسن تربيته، فكان من أهم المضحين من أجل الحفاظ على المبادئ والأهداف السامية التي جاء بها النبي الأكرم، فكان أول فِدَائي في الإسلام، افتدى النبي الأكرم بنفسه وروحه، وذلك عندما نام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الهجرة.
وقد صَاغ النبي الأكرم شخصية علي بن أبي طالب كما أراد الله تعالى له، فلم تنجسه الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها، وكانت نتيجة التربية النبوية واضحة للعيان؛ حيث لم يسجد لصنم قط، وهو يعيش في بيئة مظلمة يسيطر عليها الشرك والجهل والعبودية والطغيان، والأصنام تملأ بيوت المشركين في كل مكان، والمشركون لها عاكفون يعبدونها من دون الله تعالى.
لقد تجلَّت شخصية خليفة المسلمين علي بن أبي طالب في الأحاديث التي ذكرها وصرح بها الرواة، والتي بينت وأوضحت للقراء الكثير من الخصال التي كان يتمتع بها، والتي منها ما ذكره ابن عباس، فقد ورد عنه أنه قال: لعلي بن أبي طالب أربع خصال ليست لأحد غيره وذكر منها أنه أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرج أبو عمر وأخرج الترمذي منه عن ابن عباس: أول من صلى علي وخرج أبو القاسم في الموافقات مثله.
ومن أهم الخصال التي تميز وأبدع فيها الخليفة العادل علي بن أبي طالب في مجتمعه والتي بقي أثرها الجميل إلى يومنا هذا، هو تعلقه بالعلم، وهذا ما صرح به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "أَنَا مَدِينَةُ اَلْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ اَلْمَدِينَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا" أخرج الحديث جمع من علماء الأمة منهم الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين بسنده إلى ابن عبّاس.
وهنا، نعلم أهمية العلم ومكانته من خلال نبي الرحمة محمد المصطفى وابن عمه علي بن أبي طالب؛ وبالتالي من قرأ تأريخ علي بن أبي طالب يجد أنه جمع شتى العلوم كعلم الفلك والطب والسياسة والهندسة والقضاء والرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم المختلفة، وكما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي -صاحب علم العروض: "قد أجمع المؤرخون وكتاب السير أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان ممتازا بمميزات كبرى لم تجتمع لغيره، فهو أمة في رجل".
ومما تميَّز به خليفة المسلمين علي بن أبي طالب هو نشر الحب والتعاون والسلم والسلام والمساواة والتسامح بين الجميع، في تلك المجتمعات التي أصبحت آنذاك تؤمن بالعنف وجعلته عقيدة لها، في وقت قلت فيه الكثير من حالات التسامح بين الناس، وتراجعت فيه الكثير من قيم السلام والأمن الاجتماعي، فأيُّ منهج انساني عظيم حمله علي بن أبي طالب عليه السلام؟ وأي روح صافية راقية تنبذ الأحقاد، محبة للأمن والسلم والسلام، بل ولا تحمل أية حقد أو كره تجاه الإنسان الآخر؟ حتى للذين يسيئون إليها على الدوام .
هذه هي الروح الإيمانية التي تحلى بها علي بن أبي طالب، والتي جعلت منه اللغز المحير الذي احتارت بإمكانياته عقول أولي الألباب وهي الروح التي حملها بين جنبيه بهدف رضا الخالق سبحانه وتعالى، فكان صمام الأمان للمجتمع بأسره، حتى في حروبه التي خاضها في نصرة دين الله ونصرة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وختاما.. أختمُ مقالي هذا بما قاله ابن أبي الحديد المعتزلي في حق خليفة المسلمين علي بن أبي طالب:
أنا في مَديحكَ أَلكنٌ لا أَهتَدي
وأنا الخَطيب الهبرزيُّ المصقعُ
أأقولُ فيكَ سُمَيدَعٌ كلا وَلا
حاشا لمثلِكَ أن يقال سُميدعُ
بَل أنتَ في يَوم القيامةِ حَاكمٌ
في العالمينَ وشَافِعٌ وَمُشَفَّعُ