الناطق الرسمي: بين مطرقة المواطن وسندان الأبواب المؤصدة!

د. محمد بن عوض المشيخي **

ارتبط الناطق الرسمي في عالم الشفافية والعمل تحت الأضواء الكاشفة والشموس المشرقة، انطلاقًا من القاعدة التي تقول من حق المواطن أن يعرف كل ما تعمله الحكومة والوزارات التابعة لها من أجل الوطن، لكون أن وظيفة أي سلطة تنفيذية صادقة في العالم هي خدمة الشعب، وأن ذلك ليس كرمًا منها؛ بل واجب وطني ووظيفة أساسية أُوكلت إليها، فعلى كل مسؤول أن يتذكر دائمًا أن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفًا للوزير أو صانع القرار.

قد يبدو ذلك في الدول النامية صعب المنال؛ فذلك أقرب إلى المثالية منه إلى الواقع المعاش، والسبب يعود لاختيار أشخاص غير مناسبين للمناصب العامة؛ فالمحسوبية والواسطة تهيمنان على المشهد السياسي والإداري في عالمنا وبالتالي الذي يصل إلى المنصب العام يعلم أن ذلك تشريف له. والمسؤول الذي يخاف من الإعلام، يدرك أن أداءه ضعيف، وأن الأمور في وزارته ليست على ما يرام، من هنا يزعم أنه يعمل بصمت بعيدًا عن ضجيج الصحافة والإعلام بشكل عام.

ووسط هذا الجدل الذي لا ينتهي، تأتي هذه المرة الأخبار السارة من وزارة الصحة التي أصدر وزيرها القرار رقم (39/ 2023) باختيار قامة إعلامية معروفة على مستوى الرأي العام العماني ليتولى مهام واختصاصات الناطق الرسمي باسم الوزارة، إنه الإعلامي والطبيب المعتصم المعمري الذي يقدم واحدًا من أهم البرامج الجماهيرية في السلطنة، والمتمثل في منتدى الوصال.

لا شك أن قرار معالي الدكتور هلال السبتي يعد سابقة في الوزارات والهيئات العامة في هذا البلد العزيز، وهذا يشير بالدرجة الأولى إلى النظرة الثاقبة لهذا الوزير المميز وإخلاصه لهذا الوطن، وقبل ذلك كله أن معاليه يؤمن بالشفافية والوضوح. من هنا لا يوجد في أروقة وزارته ما هو مُظلِم، أو يتطلب التستر عليه. وبمجرد تسمية أول متحدث رسمي في مؤسساتنا الوطنية، بادرت هيئة الطيران المدني ومحافظة ظفار بالإعلان عن تعيين ناطقين رسميين يتبعان لكل منهما.

ويجب تذكير الجميع بأنَّ المؤسسات الإعلامية تُعاني من قلة المعلومات وإن كانت إيجابية تبقى في أدراج الوزراء وصناع القرار وهي ثقافة قديمة.. وإذا لم يتم الإفراج عنها سيبقى المتحدث الرسمي يتحدث إلى نفسه مع مرور الأيام. لذا على الوزارات والهيئات الحكومية التي وافقت على تسمية من يتحدث للجمهور بالنيابة عنها؛ أن يعطى المساحة الكاملة وأن يكون مطلعًا على كافة المعلومات المتعلقة بجهة العمل، وأن يكون شريكًا أساسيًا في صنع القرارات المتعلقة بالمؤسسة أو الوزارة.

ومن المواصفات والشروط التي يجب أن تتوفر في المتحدث الرسمي: مهارات التحدث والكتابة وسرعة البديهة، والحضور القوي والثقة بالنفس والاطلاع الواسع على المجال المتعلق بالعمل الذي أوكل إليه، وقبل ذلك كله المصداقية والصراحة والتوازن، والاعتذار عند الوقوع في أي خطأ غير مقصود؛ هذا فضلاً عن الخبرة الإعلامية وفهم سياسة الدولة بشكل عام والجهة التي يمثلها بشكل خاص.

يبدو لي أنَّ عصرًا جديدًا من الصراحة والمكاشفة، يبشر بالخير قد أطلَّ على عمان، بفضل الله ثم التوجيهات السديدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه ورعاه- الذي أكد غير مرة على محاسبة كل من يُقصر في أداء الواجب تجاه هذا الوطن. والمرحلة الحالية تتطلب منح وسائل الإعلام المزيد من الحرية والمراقبة للمسؤولين الذين هم في موضع صُنع القرار، وذلك لضبط الفاسدين وكشفهم للرأي العام دون محاباة أو تستر على من خان أمانة الوطن والمواطن.

من هنا أصبح من الضروريات تعيين متحدث رسمي باسم الحكومة العُمانية، وفي حالة وجوده سوف يقدم إيجازًا للصحفيين بشكل مستمر خاصة أثناء الأحداث والقرارات السيادية التي تتخذها الحكومة، وذلك لقطع الطريق على الذين يشوشون على مثل تلك القرارات التي نثق بالذين يتخذونها على الدوام؛ إذ هناك من يتعمدون نشر الشائعات والأكاذيب عبر المنصات الإلكترونية لتأليب الرأي العام المحلي على قيادتها الرشيدة التي لا تالو جهدًا في إسعاد أبناء هذا الوطن.

وفي الختام.. الإعلام سلاح  ذو حدين إذا لم نُحسن استخدامه في تفسير السياسات والاستراتيجيات الوطنية المعدة من قبل المسؤولين، وذلك من خلال سياسة الأبواب المفتوحة واتباع نهج الشفافية والوضوح والعمل تحت ضوء الشمس بعيدًا عن التستر والخوف من الحقيقة، فإنَّ هذا السلاح سوف يُستخدم ضدنا، من خلال الدعاية والأراجيف؛ وعلى وجه الخصوص تشجيع ما يُعرف بالذباب الإلكتروني عبر المنصات الرقمية والتي تعمل على تضليل العقول وتسميم الوعي الوطني وتحويله من الولاء إلى التمرد.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري