متحف "عُمان عبر الزمان".. مفخرةٌ وطنيةٌ

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

تُشير الدراسات التاريخية إلى أن ظهور فكرة المتحف بدأت في العصر اليوناني، وكان يطلق عليه اسم "ميوزيوم"، وتعني مكان اقتناء الأشياء الثمينة والنفيسة، وبعد ذلك بدأت في الانتشار بين الدول والحضارات المختلفة؛ فظهرت في البلاد الناطقة بالإنجليزية وكانت تسمى "Museum"، ثم ظهرت في شمال إيطاليا وتحديدًا في فلورنسا، وأُطلق عليها "يوزيون"، وكانت مجتمعة في قصر يمتلكه أحد الفرسان، ليس ذلك فقط؛ بل مع مرور الوقت تطورت هذه الفكرة في إيطاليا، وأصبح يطلق على هذا المكان "جاليري" وكانت على شكل غرف ضيقة تحتوي على نوافذ شفافة يعرض خلفها محتويات المتحف من صور أو تماثيل.

من يسأل عن فائدة المتاحف فهي تكمن في سببين؛ أولهما: تاريخي، من حيث جمع المقتنيات الثمينة التاريخية، وما تبقى من الحضارات السابقة، وما خلفه القدماء من آثار وصور ومقتنيات قديمة أثرية، فتجمع هذه الأشياء في مكان واحد بغرض الحفاظ عليها من الضياع بعد ترميمها وحفظها وحمايتها داخل جدران المتاحف، وثانيا المتاحف تساهم في حفظ التاريخ من المحو والضياع والتلف وعرض تاريخ وحضارة كل دولة للأجيال القادمة وتعريف السياح بحضارة وتاريخ البلد المزار.

وفي عام 2013 زُرتُ مملكة البحرين الجميلة، وأكثر ما شد انتباهي وقتها هو متحف البحرين الوطني وكان بحق تحفة معمارية؛ حيث أظهر حضارة "دلمون" العريقة الضاربة في عمق التاريخ على أجمل ما تكون، تمنيتُ خلالها- في ذلك الوقت طبعًا- أن يكون لدينا متحف مثله في عمان بدلًا من بعض المتاحف المتفرقة هنا وهناك، وطرحت حينها مقالا عنونته "خواطر من أرض الواقع"، تحدثت فيه عن حاجة عُمان إلى متحف وطني يليق بحضارتها وتاريخها العريق، وكم كانت الفرحة كبيرة بعدها بصدور المرسوم السلطاني رقم 62/ 2013 والخاص بإنشاء متحف عمان الوطني والذي جاء في غمرة احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الثالث والأربعين آنذاك.

نشرتُ بعد اكتمال إنشاء متحف عمان الوطني، مقالا آخر بعنوان "المتحف الوطني حلم تحقق"، وقمت بزيارة المتحف، وشاهدت هذه التحفة المعمارية الجميلة بكل ما احتواه من مضامين تاريخية وحضارية؛ إذ كانت عمان بحاجة لمثل المعلم البارز الذي يجسد تاريخها العريق الضارب في القدم.

مؤخرًا زُرتُ مُتحف عُمان عبر الزمان، وقد وجدت ما أصابني بالذهول في متحف يجمع بين الأصالة في معروضاته القيمة وما يحتويه من النفائس التاريخية، وبين الحداثة في طريقة عرضه المبهرة. ولكي نقترب أكثر من قصة هذا المعلم الأخّاذ؛ ففي 2015 تفضّل السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- بوضع حجر الأساس لمشروع "متحف عُمان عبر الزمان" بولاية منح في محافظة الداخلية، وصُمّم ليكون على شكل جبال الحجر التي تتميز بها جبال السلطنة ليُضفي إبداعًا معماريًّا يمثّل البيئة العُمانية الفريدة بتفاصيلها الجغرافية البديعة وظهر المبنى كأيقونة معمارية تمثل عصر النهضة تبرز فيها العمارة العُمانية بأسلوب عصري متميز بتفاصيله الهندسية والإنشائية ومواد بنائه المستخدمة.

ورُوعي في تصميم المتحف أن يكون صديقًا للبيئة؛ حيث بُني بشكل منخفض من جهة الشرق حتى تشرق عليه الشمس ويحمي المساحات داخل الفضاءات من أشعتها المباشرة، ووُضعت في جهة الغرب نوافذ تساعد على إدخال الإضاءة للمتحف مع جدران مائلة تمنع أشعة الشمس المباشرة، وتخفّض الطاقة التي يحتاجها المتحف في الإنارة وقد جاء تصميمه وفق نظام مأخوذ من فكرة القلاع العمانية والمنازل التراثية مع وجود الجدران التي تجعل الهواء الساخن المارَّ باردًا، واستخدم في بنائه الحجارة العُمانية عالية الجودة من محافظتي الظاهرة وشمال الباطنة ورصعت بها جدران المتحف من الداخل والخارج كما تم الاستفادة من مخلفات الأحجار والقطع المتبقية في الحديقة الخارجية للمتحف.

ولمحبي الزاد الثقافي، يحتوي المتحف على مكتبة حصن الشموخ التي تم نقلها من حصن الشموخ العامر معقل السلاطين بمحافظة الداخلية إلى متحف عُمان عبر الزمان، وتحتوي المكتبة على أكثر من 46 ألف عنوان في شتى بحور العلم والمعرفة، وهي مزودة بأجهزة تتيح للباحثين الوصول إلى مبتغاهم من العناوين والمراجع سواء الورقية منها أو الإلكترونية كما يضم المتحف مركز المعرفة وهو نافذة معرفية للطلبة والباحثين والقرّاء وركيزة من ركائز متحف عمان عبر الزمان، كما إنه مصدر غنيّ بالمعلومات التي تسهم في بناء المعرفة لدى مختلف الفئات بدءًا من الأطفال وصولا للباحثين، كما أهل المتحف ليكون له دور بتقديم برامج تعليمية تربوية تفاعلية وورش تدريبية واستضافة المحاضرات والندوات العلمية.

لن نتكلم عن تفاصيل المتحف الدقيقة وما يحتويه من إبداعات تاريخية وتقنية وحضارية ويضم عبر أروقته أجنحة تمثل الحقب التاريخية لعمان وامتزاج الثقافات وتعدد المسميات من مزون الي مجان؛ فالحديث عنها يطول ومساحة هذا المقال لن ولم تكفي فهي تحتاج لمجلدات وموسوعات.

 لو جاز لي اختيار أبرز معلم حضاري عماني في العصر الحديث لاخترت بلا تردد متحف عمان عبر الزمان؛ فهو معلم متكامل منفرد بتصميمه ومحتوياته ومرافقه فقط ما ينقصه وجود خطة تسويقية له داخليا وعالميا، وصراحة منذ إنشائه لم نرَ دعاية خاصة به لا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا حتى أجهزة الإعلام المختلفة، عدا التقارير الإعلامية الاعتيادية بعد كل تغطية؛ بل حتى نشطاء مواقع التواصل لدينا لا يحتاجون دعوة لزيارة هذا الصرح الشامخ؛ فهم من باب أولي عليهم تعريف الجمهور به من غيرهم.

وبما أننا نملك الآن أكثر من متحف متميز، وفى الطريق متحف التاريخ البحري بولاية صور، فيا حبذا لو يتم التفكير بإنشاء هيئة مستقلة تعنى بالمتاحف الوطنية الموجودة بالسلطنة، يكون من أبرز اختصاصاتها الترويج والتسويق لها عوضا عن الحاصل حاليًا في توزع وتشعب تبيعة المتاحف كلا يتبع لجهة ما.

باختصارٍ.. متحف عمان عبر الزمان اسم على مسمى؛ حيث إنه ينقل الزائر بأسلوب علمي تقني تاريخي وبإبهار بصري منقطع النظير للتجول واستكشاف تاريخ عمان المذهل والغوص في حقبها التاريخية.

إنها دعوةٌ لكل أسرة لاصطحاب أبنائها لمعرفة المزيد من تاريخ بلدهم بأسلوب جذاب وفريد من نوعه ودعوة للشركات السياحية للتركيز على هذا المتحف واستقطاب الأفواج السياحية، كما يجب أن لا ننسى دور وزارة التراث والسياحة والشركة العمانية للتنمية السياحية "عمران" في الترويج لهذا المتحف في معارضهم الخارجية؛ لأنه أيقونة ومفخرة عمانية بامتياز يحق لكل عماني الافتخار والاعتزاز بها.