الثورة التكنولوجية الرابعة ومهارات القرن الحادي والعشرين

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

في بداية الستينيات من القرن الماضي، بدأت ملامح الثورة التكنولوجية الثالثة بالظهور،وبعد ذلك بالتطور بشكل سريع، ونضجت في الثمانينيات من القرن الماضي مؤدية لاحقًا إلى الثورة التكنولوجية الرابعة التي نعيشها الآن، والتي سوف تأخذ الإنسانية إلى آفاق غير محدودة من التغييرات المتلاحقة.

الثورة الرابعة تعتمد أساسًا على العقل البشري والإلكترونيات الدقيقة والهندسة الحيوية والذكاء الصناعي وتوليد المعلومات حول كل شؤون الأفراد والمجتمعات والطبيعة واختزانها واستردادها وتوصيلها بسرعة متناهية؛ بل آنية، وعلى الاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة بوتيرة فائقة السرعة.

والعقل البشري وليس القوة العضلية أو الميكانيكية هو العماد الأول للثورة الرابعة، وهو يمثل طاقة متجددة لا تنضب، لذلك فإنَّ هذه الثورة لن تكون حكرًا على المجتمعات كبيرة المساحة والضخمة في عدد السكان، أو الغنية بمواردها الأولية أو القوية بجيوشها التقليدية، بل ثورة يُمكن لجميع شعوب العالم أن تخوض غمارها- سواءً أكانت كبيرة أو صغيرة- إذا ما أحسنت إعداد مجتمعاتها تربويًا وتعليميًا وتدريبيًا واجتماعيًا. وحجم المعرفة البشرية سيتضاعف في عدد قليل من السنين، وسوف يزيد عما تراكم من المعرفة البشرية منذ عشرات الألوف من السنين، وسوف تزيد عما تراكم من المعرفة منذ الثورة الزراعية قبل نحو عشرة آلاف سنة. وعلى سبيل المثال فإن المعرفة البشرية كانت تتضاعف كل مائة سنة قبل الحرب العالمية الأولى، وبسبب الاكتشافات العلمية المستمرة أصبحت المعرفة مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 تتضاعف كل خمسة وعشرين عاما، ثم كل عشر سنوات مع حلول التسعينات من القرن الماضي، ويُقدر أنها سوف تتضاعف في كل 12 ساعة خلال السنوات القليلة المُقبلة؛ أي أن المعرفة البشرية المتراكمة سوف تتضاعف يومياً من كل المعرفة البشرية المتراكمة منذ التاريخ المُسجل للإنسان منذ نحو 10 آلاف سنة.

ويتم الآن التركيز على المهارات التالية والتي أطلق عليها مهارات القرن الواحد والعشرين 4C’S، وهي:

1-التفكير النقدي Critical Thinking

التفكير الموروث والقائم على التصديق ما تم توارثه يتعرض إلى أزمة وجودية. أما التفكير النقدي فقائم على الابتعاد عن ما تم توارثه وتحليل عميق لموضوع ما لفهمه والإحاطة به بشكل أفضل عبر تقسيمه إلى أجزائه وفحص كل جزء، وملاحظة كيفية توافق الأجزاء معا، إنه لا يقوم على المسلمات السائدة بل على أدلة مرتبطة مع بعضها البعض، إذ يتم تحديد أنواع أو مجموعات شيء ما، وتمييز كل فئة عن الفئات الأخرى للوصول إلى تحديد الأسباب المؤدية لحدوث شيء ما وما ينتج عنه.

مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات هي إحدى الأسس الجديدة للتعلم في القرن الحادي والعشرين، وهي تعمل على زيادة الحافز وتحسين مخرجات التعلم بحيث يتمكن الطلبة أن يكونوا قادرين على: الاستنباط بطريقة أحسن عن طريق تحليل موضوع معين، ومعرفة التفاعل بين أجزاء الكل وتفسير المعلومات المتوفرة، وتبني استنتاجات أفضل عن طريق طرح أسئلة مهمة للوصول إلى حلول أفضل.

2- التفكير الإبداعي Creative thinking

التفكير الإبداعي يشمل التفكير بشكل مختلف "خارج الصندوق" واكتشاف كافة الاحتمالات الممكنة. ويقال إن نشاط "الدماغ الأيمن"هو المسؤول عن التفكير الإبداعي الذي يقوم بطرح الأسئلة وتصور كل الأجوبة الممكنة والتفكير بطرق مختلفة لحل مشكلة ما، والوصول إلى حلول ونتائج لم تكن موجودة أو متخيلة سابقا، وتتضمن إيجاد جلسات للعصف الذهني للوصول إلى ابتكار خدمات جديدة، ومنتجات محسّنة على مستوى العالم. وهذا يتطلب تدريب الطلبة على التفكير على نحو ابتكاري باستخدام مدى واسع من أساليب التفكير وتنفيذها وتفسيرها للآخرين بفاعلية، والانفتاح لوجهات النظر الجديدة والمتنوعة دون انغلاق على أنفسهم ولا أسرى لأفكارهم السابقة.

3- التعاون Corporation  

والتعاون يعني أن جميع الأفراد المُهتمين بموضوع ما، يتعاونون معا لإيجاد حلول مختلفة، ويشتركون في استعمال الموارد المحدودة لتحمل المسؤوليات المترتبة سوية ويعملون كفريق واحد للعمل على النحو الأمثل من خلال النظر إلى كل الخيارات المطروحة للوصول إلى خيار بديل. العنصر الأساسي للتعاون هو الاستعداد للتضحية بأجزاء من الأفكار الخاصة وتبنّي أفكار أخرى لتحقيق نتائج لصالح المجموعة.

4- التواصل Connectivity

يقوم أعضاء الفريق بالتواصل مع بعضهم البعض، وتختلف عملية التواصل باختلاف الوسيلة المستخدمة لذلك، والتواصل وجهًا لوجه يكون أكثر تأثيراً وفائدة، ولا بُدّ من اكتسابه لإتقان عملية التواصل الفعّال وتحسينها. هذا يتطلب إعطاء الشخص الذي يتحدّث إليك كامل الانتباه.

والمجتمع العماني مجتمع فتي؛ اذ إنَّ الغالبية العظمى من الشعب تتراوح أعمارها بين 15- 25 سنة، وفئة الشباب هي الفئة الأكثر قدرة على التكيف مع المتطلبات التكنولوجية الجديدة. وبما إن حجم السكان عندنا قليل والاعتماد على العمالة الوافدة كبير، فإن هذه الثورة سوف تكون مناسبة تمامًا لأوضاع عمان، حيث إن الأتمتة تعني

قيام الآلة بالإحلال محل الإنسان، والوظائف الجديدة التي سوف تخلقها هذه الثورة هي وظائف عالية الكفاءة ومجزية جدا، وهذا بحاجة إلى تعليم وتدريب شبابنا وشاباتنا على تلك الوظائف. ذلك سوف يحتاج إلى إجراء إصلاحات شاملة وجذرية وباستمرار في التعليم والتدريب والاستثمار في قطاع التكنولوجيا والبحث العلمي والنظم الاجتماعية والإعلامية. هذه فرصة مهمة للاستفادة من تطوير المهارات لتواكب سوق العمل المتجدد. وعلى حساب اختفاء العديد من الوظائف التقليدية ذات المهارات المحدودة، سيزيد الطلب على الوظائف ذات المهارات العالية التي ستُساهم في رفع مستويات الدخول وتحقيق التنمية المستدامة. كل ذلك بحاجة شديدة لإيجاد ثورة حقيقية في أنظمتنا التعليمية والتدريبية لتعليم مهارات القرن الواحد والعشرين.

وهذه المهارات والمعارف والخبرات هي مزيج من المعرفة بالمحتوى، والمهارات الخاصة، والخبرة، وتتسم بكونها متكاملة ومرتبطة مع بعضها، وتتطلب إعداد وتربية جيل من المفكرين والمعلمين والمتعلمين الذين يفكرون على نحو إبداعي لحل المشكلات ويتحررون من عبء الماضي، ويتشاركون مع الآخرين في البيت والعمل.