"عولمة المثلية" ستقلب الأوضاع عاليها سالفها

 

د. عبدالله باحجاج

يدفع الغرب، وتحديدًا الدول الأنجلوساكسونية بالعقل إلى الجنون أو إلى التطرف، ومسيرة البشرية تتجه الآن إلى أسوأ من هذه الاحتمالات، فهم يجددون فاحشة قوم لوط، ويسنُّون للواط قوانين، ويستهدفون الأطفال؛ حيث يشرِّعون لمن بلغ سن الخمس سنوات أن يُحدد هويته الجنسية دون تدخل من أسرته، وإن تدخلت تنزل عليها العقوبة القاسية، ويفتخرون بفعلهم، شأنهم هنا شأن قوم لوط؛ بل هم أكثر شأنًا، فماذا كانت عقوبة قوم لوط؟ أكثر من ملياري مسلم في العالم يعرفون مآلات هذه التحولات مسبقًا، لذلك فهي عندهم من الخطوط الوجودية الحمر التي لا يُمكن المساومة، ولا المجاملة ولا حتى الاستهزاء بها.

تُوظِّف الدولُ الغربية الكبرى، الأممَ المتحدة ومؤسساتها المختلفة، مثل منظمة العمل الدولية، في عولمة مثل هذه القضايا التدميرية للإنسانية ولمستقبل وجودها المادي، فمثلًا، ما دخل منظمة العمل الدولية في حمل دول مجلس التعاون الخليجي العربي على وضع ميزانيات لدعم وحماية المثليين؟ وهل هناك عاقل يطلب مثل هذا الطلب؟ إنهم يسخرون كل مؤسسات صناعة القرار العالمي لجعل المثلية ضمن التعدد والتنوع داخل كل دولة، ولو نجحوا، فستكون عندها الديموغرافيات الخليجية قد توقفت عن التفكير العقلاني، وانحازت للعواطف والمشاعر الخالصة، وهي منطقة اتخاذ القرارات والأحكام الحادة والأحادية التي لا تقبل التعايش مع تعددهم وتنوعهم القديم والجديد معًا، وسيكون الخليج في مرحلة التقاء الفرد مع الجماعة المؤطرة، وهذه الأخيرة مع الجماعات المماثلة لها، مهما كان خلافاتها واختلافاتها الأيديولوجية، فسيجمعها العدو المشترك.

عندها، سنقول وداعًا للتسامح والتعايش، وداعًا للوسطية، وداعًا للعقل والعقلانية، لن يكون فيها مساحة سوى للأفعال المجنونة.. لكن هذا سيكون مشروطًا بموقف أنظمة هذه الديموغرافيات من حرب الغرب الأمريكي على أساسيات الفطرة السليمة للبشرية التي تمس جوهر عقيدتها الإسلامية، فأي ميل للهوى الغربي الجديد، ستدخل هذه الجماعات في أتون العنف المُبرر بغاية الإنسان المسلم في الوجود، ومآلاتها فيما بعد الوجود، وكيف إذا ما كان لديها واقعة تاريخية ثابتة بكل الأدلة القطعية الشرعية تبني عليها عنفها؟ وهي واقعة "قوم لوط" وكيف أهلكهم الله جل في علاه بسبب فاحشة اللواط.

هنا يحدث التلاقي والتشابه الفريدين بين مُعطيات الحقبة الزمنية لقوم لوط، مع نظيرتها الزمنية للواطيين الجدد، ففي حقبة قوم لوط تم شرعنة اللواط، وفرضه بالقوة، والتفاخر به، والآن تتكرر نفس المعطيات بأسوأ وأبشع الممارسات اللابشرية عبر الزج بالأطفال في التَّحول الجنسي، وفرضه على شعوب العالم، ورسالة هلاك قوم لوط صريحة وصالحة لكل الأزمنة وعصورها المختلفة، فكلما تتوافر مُعطياتها تنتج نفس تداعياتها، وهي الهلاك الجماعي، هذا في جوهر إيمان كل مسلم، لذلك ستتعدد أنواع الرفض والمواجهة، مما ينبغي على الحكومات العربية والخليجية أن تحصِّن دولها من أية اختراقات من هذا القبيل.

وكل من يعتبر أن مساعي الدول الأنجلوساكسونية لنشر المثلية وحمل دول مجلس التعاون الخليجي على دمجها ضمن تعددها وتنوعها الفكري، وكذلك دعمها ماليًا، هو بمثابة أداة ضغط جديدة عليها لدفع حكوماتها لتغيير سياساتها أو التأثير على توجهاتها الدولية والإقليمية، خاصة وضع حدٍ لاصطفافاتها التي تضر بمصالح الغرب الأمريكي.. هو اعتقاد لم ينفذ للجوهر، فلا يمكن اعتبار المثلية امتدادًا لاستخدام الغرب خلال نصف قرن مضى لملف حقوق الإنسان كأداة ابتزاز وتحكم بالسياسات الخليجية، وإنما يدخل ضمن الخطط المُمنهجة التي تستهدف تدمير الأُسَر، وصناعة الفرد وإدخاله في فردانية التقوقع في ذاته الذي تتحكم فيه شهواته وغرائزه الجنسية.

وبالتالي، يستهدفون هنا إلغاء نعمة العقل في الإنسان، وتحويله إلى حيوان شهواني في فردانية مطلقة، يفقد الارتباط والتعاطف مع محيطه الاجتماعي والإنساني والوطني والأيديولوجي/ الإسلامي، لكي يعيش حياة حيوانية سالبة منه نعمة العقل، هذه هي طبيعة الفرد الذي يُراد صناعته في نظام النيوليبرالية، وقد تأكدنا من هذه الاستهدافات، عندما كنَّا نبحث في عدة مراجع عمَّا يدلل على هذا الاستنتاج، ووجدناه في اثنين أساسيين يشكلان مرجعية حكمية قاطعة لمسار صناعة الفرد الحيواني المنشغل بغرائزه عن رسالته الإنسانية الوطنية والعالمية، وهم بذلك يستهدفون الأجيال الجديدة.

المرجع الأول: تنظير مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا من 1979- 1990 والتي تشكل مع جورج دبليو بوش أشد دعاة النيوليبرالية؛ إذ يقول تنظيرها ما معناه "لا يوجد شيء اسمه المجتمع، هناك أُسرة وفرد سواء كان رجلا أم امرأة، وكل فرد مُستقل ومسؤول عن نفسه، ولا توجد وسيلة لتغيير القلوب والنفوس إلا الاقتصاد". ولو أسقطنا هذا التنظير على الواقع فسنجد في كل دولة- نعم في كل دولة- تطبيقاته منذ عام 2020 على وجه التحديد في الخليج، فكل السياسات المالية والاقتصادية والقوانين والخطط تصنع الفرد وتكرس فيه الفردانية.. إلخ، وتنتقل الآن الخطط الغربية إلى تدمير أخلاقيات وقيم هذا الفرد الفرداني، عن طريق محاولات عولمة المثلية، وضمانة ديمومتها باستهداف الأطفال، وغل دور الأُسر.

والثاني ما تصفه الجماعات المؤيدة للمثلية، وقد أصبحت هذه الجماعات- مع الأسف- مؤثرة في صناعة القرارات في الدول الأنجلوساكسونية، وهناك من يصف الأسرة بأنها "الظاهرة الأكثر إعاقة لكل التقدم البشري، ورمزًا لكل ما هو قبيح". وهنا نلاحظ من هذه العبارة العدوانية المستحكمة ضد الأسرة، فكل مفردة فيها، تعبر عن السيكولوجية العدائية للأسرة، وتعكس ما فيها من خفايا وأسرار، فلن نبالغ إذا ما قلنا إنها تعبر عن تحالف شياطين الجن مع شياطين الإنس ضد كل قيم الخير على الأرض.

ولو تأملنا في ماهية الأفكار التي ظهرت فوق السطح، وتنتشر عالميًا، مثل المثلية والنسوية والإلحاد.. كلها تصب في صناعة الفرد "الأنا" الغالب عليه نوازعه وغرائزه، أي صناعة الفرد المستقل المسؤول عن ذاته وتحريره من أسرته ومجتمعه، واللافت أنَّ هذا الفكر متواجد على أعلى مستوى بعواصم عالمية مركزية وأخرى في عدة جغرافيات في مناطق مختلفة، وفي مواقع صناعة المؤسسات العالمية والإقليمية، وهؤلاء متعاطفون مع الهوى الغربي، ونرجعه لعدة أسباب، تفهم من سياق التعاطف، وكيف وصلت لمواقع السُلطة؟ مما يُفسِّر سرعة انتشارها.

وأخيرًا، ندعو سلطنة عُمان خاصة ودول مجلس التعاون الخليجي عامة، إلى الاستبصار الواعي بالأجندات الأجنبية التي تستهدف الأسرة وأطفالها، فهي تتقاطع مع تداعيات اجتماعية سلبية تتعمق في البنيات، وناجمة عن التحولات المالية والاقتصادية، وتراجع دور الأسرة، فضلًا عن الآثار السلبية الناتجة عن التطورات المتسارعة في التكنولوجيا وثورة المعلومات، مع استمرار وجود أنماط سلبية مع التقاليد الموروثة، ففي كل دولة ينبغي تشكيل لجنة للتقييم والمراجعة، ومن ثم تجديد الأطر وتشديد القوانين، والعمل الجماعي الخليجي المؤسساتي لمواجهة مخططات المثلية والتحول الجنسي للأطفال، وبقية الأفكار التي لن تتعايش في منطقة الخليج في إطار منظومة تعددها وتنوعها، وإنما ستدخلهم في أتون صراعات داخلية مستدامة، ستتزامن معها اختراقات لمجتمعاتها من أبواب مفتوحة الآن، فأي موقف تتخذه هذه الدول سيشكل مرحلة الخمسين سنة المقبلة.