الراهن.. بين الواقع والطموح

مسعود أحمد بيت سعيد

 

  masoudahmed58@gmail.com

الحديث حول الراهن ومعضلاته يطول وهو نتاج سلسلة من التراكمات السلبية قادت إلى مديونية ضخمة دون أن تكون أسبابها مقنعة، ورغم الوفرة والاكتشافات الجديد والإجراءات التقشفية يتم التعلل بها للتنصل من الاستحقاقات الاجتماعية.

ومنذ بداية العهد الجديد كانت هناك فرصة معقولة علقت عليها بعض الآمال لجهة المراجعة الصارمة للنهج  الذي أفضى إلى ما أفضى إليه، والذي لا يستطيع أي منطق تبريره أو استمراره. فهل نحتاج إلى  توضيح؟ لندع الحقائق تفصح عن نفسها، ولن نتطرق إلى البطالة ونسبتها،  ولنأخذ سلم الدخول الاجتماعية كمؤشر عام. 

الأرقامفي حد ذاتها ترسم لوحة الواقع الاجتماعي وتركيبته، كما تكشف حجم التمايزات الاجتماعية العميقة  وتقدم الوجه الأكثر نصاعة لطبيعة السياسة الاقتصادية والتي  تطورت في ظروف خاصة، وصبت في مصلحة فئة صغيرة أصبحت علاقتها بالمؤسسات العامة أشب هبعلاقة الصياد بالبحر واعتادت إلباس مصالحها دشداشة وخنجر وتسويقها  باسم المصلحة العامة. وهذا النهج أفرز  واقعًا طبقيًا  لم يعد من الممكن إخفائه. وقد  أقره  مشروع قانون الحماية الاجتماعية بوضوح لا لبس فيه ولا غموض؛  حيث علل أسبابه ودواعيه باستهداف الطبقة الفقيرة وانتشالها من لُجة الفقر.  والذي   أيقظ على ما يبدو مواقع صنع القرار. وإذا كان الإقرار بالمشكلة يمثل الخطوة الأولى، فإن المعالجة السليمة هي الخطوة الثانية. ولم يرشح إلى الآن ما يبعث على الاطمئنان.

والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا  تبقى من  الفكرة الأساسية القائلة بحماية الطبقة الفقير؟  وكان بالأحرى  الاستفادة من  تجربة الدعم الوطني؛ حيث الربط المحكم  بين الدخل والدعم، وهي تجربة جيدة وتعكس قدرًا عاليًا من المسؤولية وقد لاقن قبولًا واستحسانًا اجتماعيًا.
إن أية رؤية تريد أن تسهم في حلحلة الوضع الراهن عليها وعي الواقع الموضوعي جيدا، وفهم طبيعة التحالفات  الطبقية القائمة  وطريقة تفكيرها  وآليات عملها.
 القضية في العمق ليست قضية موارد فقط، وإنما كيفية إدارتها وتوزيعها وفي ترتيب الأولويات. والاعتقاد بإمكانية حل المعضلات الاجتماعية في ظل المنظومة الرأسمالية القائمة على الاستغلال وعلاقاتها الطبقية، قضية جدلية على الدوام، ولا حاجة للتأكيد أنها كلما أوغلت في الإمساك بالمفاصل الرئيسة للدولة  تُحولها  تدريجيا إلى  مجرد أداة قهر طبقي. وفي ظل فرز طبقي متبلور تنتفي  فرضية  المصلحة  المشتركة؛ حيث تراكم الثروة في قطب من المجتمع، يعني تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر، وأن  ما هو مكسب لطبقة يعد خسارة لطبقة أخرى؛ الأمر الذي يتطلب وقف تغول السيطرة الطبقية على مفاصل الدولة الرئيسية وفرملة هذا الاندفاع  وتحديد  التخوم. وإذا  عدنا لجذر الفكرة القائمة على رعاي ةطبقة برجوازية  ثم  مناشدتها  بتحمل مسؤولياتها، فقد أجابت التجربة الملموسة  ولم  يعد للاجتهاد مكان.و

هنا يُطرح سؤال تاريخي: ماذا قدم الرأسمال الخاص؟  وماذا بعد كل هذا الدلال والدعم والحماية؟ أما آن الأوان للتركيز على القطاع العام وتأكيد  رقابته الحاسمة على القطاع الخاص وتوجيهه ضمن استراتيجية وطنية وإلزامه بتحمل مسؤولياته  الاجتماعية  حتى تنطبق عليه  الصفة الوطنية. وفي السياق ذاته، من المفيد إثارة جملة تساؤلات  منها : ما هو المطلوب  وكيف؟ هل تجسير الفجوات بين الشرائح الاجتماعية أم توسيعها؟ الارتقاء بالأغلبية أم  الأقلية؟  بناء اقتصاد خاص  أم اقتصاد عام؟ ومن يخدم هذا  أو ذاك؟  ومن يدفع بهذه الخيارات أو تلك؟ وما مستقبل الاجيال القادمة والمخرجات التعليمية المتزايدة عندما تجد نفسها رهن سيطرة طبقات وشرائح أنانية؟ والأهم ما مستقبل الوضع الاجتماعي؟
إن التوقف عند هذه الأسئلة والإجابة عليها  تشكل النقطة المركزية التي تستحق إعطاءها كل الاهتمام شعبيا ورسميا. ولسنا بحاجة إلى عقود أخرى حتى ندرك عدم نجاعة هذا الخيار الاقتصادي والذي ما زالت قطاعات عريضة من المجتمع مطالبة بدفع ضريبته وتحمل تبعاته دون أن تكون سببا فيه. ورغم كل  شيء  ينتاب الإنسان بين الحين والآخر، شعورا غامضا بانفراجات قادمة.

فهل تنتصر المشاعر والأحاسيس على العقل؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة!!