التعليم والمواطنة والقانون في "عُمان 2040"

 

 

 

بيان بنت علي المهرية**

bayan_almahri@hotmail.com

 

سُبلُ تفعيل النماء المُستدام تقومُ في الأساس على ركيزة التعليم، وهو الذي تسعى إليه المؤسسات كافة بلا استثناء، بل ويندرج ضمن الأولويات الوطنية التي تسعى إليها رؤية عُمان 2040، عليه ينبغي الوقوف حول كيفية تفعيل هذه الغاية وفق الأساليب والنهج المتبعة في الميادين، التي بدورها تؤثر بالتنمية المستدامة بشكل مُباشر، ولا يتصور أن ينبني المجتمع نحو استدامة فعّالة دون تفعيل ركائز تُعزز من كفاءته ونموه نحو التدرج الحضاري، مما يجر بعجلة التنمية نحو الاستمرارية والاستدامة الفعّالة بالطريقة المنشودة.

وبطبيعة الحال الذي يعزز هذه الأنظمة ويوسع من مداركها لابدّ أن يتوافق مع المبادئ القانونية وصحيح تشريعاتها، بمعنى آخر أن المؤسسات كلها قائمة على القانون والانضباط والتنظيم، وذلك من أجل تكوين ترابط مجتمعي مصان ومتحد ومتحضر، وخلاف ذلك يوصلنا إلى التجرد والفوضى والعشوائيات.

ومن واقع اهتمام وتتبع؛ نجد أن هذه الغايات لا يمكن تحقيقها دون النظر إلى لبِنات هذا المجتمع من زوايا عدّة، ولما كان البيّن، أن تطبيق القانون وقوته يعتبران العاملين الأساسيين في تحديث هيكلة الأنظمة واستدامتها؛ نظرًا لارتباطه بحياة الشعوب من المهد إلى اللحد، مما يدعونا إلى الاستفادة من القوانين الحديثة والأنظمة العالمية المختلفة، وذلك من أجل النهوض بالشعوب وتحضرها بأقل التكاليف والسرعة القياسية، بدلًا من المضي في التدرج الحضاري المنشود بصورةٍ بطيئة؛ لكون أن النظر إلى التجارب المقارنة يدعونا إلى الأخذ بما هو مفيد ويدعم غاياتنا وهويتنا العُمانية، وتجنب ما قد يشكل عبئاً وثِقلاً علينا.

عليه، عند الرجوع إلى التوجهات الاستراتيجية والأولويات الوطنية المشار إليها في وثيقة رؤية عُمان 2040، نلاحظ أن المواطنة والحفاظ على الهوية والتراث والثقافة الوطنية تندرج ضمن الأولويات المتقدمة فيها، وذلك بعد أولوية التعليم والتعلم اللذين يندرجان ضمن أساسيات وركائز كل مجتمع يسعى للتطوير ورفع كفاءاته. وعند النظر إلى زاوية عملية وواقعية أكثر، نجد أن ما يعزز هذه الأولويات هو جودة التعليم المعمول بها في المراحل الدراسية؛ سواءً في المدارس أو الجامعات والكليات. ومما لا شك فيه، تسعى هذه الأولويات إلى تطوير النظم التعليمية بجميع مستوياتها وتحسين مخرجاتها، فضلًا عن تطوير البرامج والمناهج التعليمية بما يدفع إلى إحداث نقلة كميّة ونوعية في القطاعات، وذلك دون إخلال في مسألة التوازن مع الانتماء الثقافي الأصيل المتجذر، مما يعزز التماسك الاجتماعي والاقتصادي في آنٍ واحد.

وبناءً على ما سلف، فإنَّ تأصيل هذه الأولويات والتحقق من سلامتها على الأجيال والقطاعات، ينبغي ألا يُهمل ويقتصر على توصيل المعايير المقبولة وغير المقبولة؛ لكون أن نطاق كل من العولمة والثورة الصناعية بات من الأبعاد التي تشمل النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية والسلوكية أيضًا، فلم يعد الأمر محصوراً على البعد الاقتصادي دون غيره، ومن هذا المنطلق يأتي الحرص في الحفاظ على خصوصية الشعب العُماني وموروثاته وأصالته، بالإضافة إلى استحداث تشريعات وأنظمة تلائم هذا المزيج.

والمبادئ القانونية تمثل القواعد التي يُرسي عليها المواطنون مجاديفهم الحياتية واليومية، وفق الإرشادات المناسبة حول سلوكهم وما ينبغي فعله وعدم فعله، على اعتبار أنها تحمي الحقوق والحريات، وتحل النزاعات والصراعات فيما بينهم، إلا أننا يجب أن نستسيغ فكرة أن العالم الاقتصادي والاجتماعي يحمل من المتضادات الفكرية والجوهرية بمختلف صوره وظواهره، مما يدفع التفكر نحو سبل تجعل هذا التطور السريع لا يتصادم مع القانون وتشريعاته من جهة، ومن جهة أخرى مواكبة المجتمع للإحداثيات المتجددة وفق منظور حمائي لا يضر ولا يضار، بحيث يكون سريع التأقلم مع كل المتغيرات التي تظهر أمامه، دون خرق لأي مبدأ قانوني دون قصد، أو الخروج من تلك المعضلة بأقل الخسائر إن أمكن.

ووفقًا لما سبق، يأتي دور القانون في حياتنا لوضع مقاييس تحفظ النظام العام واستقراره، ولكن لا يتصور أن تتغير وتتجدد القوانين عند بارقة أي تطور حضاري بصورة اندفاعية، دون معاينة فعلية حول حاجة المجتمع لهذا التشريع من عدمه، فضلًا عن مدى تأثيره وتوافقه مع المبادئ الدستورية للنظام الأساسي للدولة ابتداءً، والقوانين الوضعية المتصلة بكل القطاعات تباعًا، رغم أن من يشغلون هذه القطاعات ليسوا بالضرورة أن يكونوا من أهل الاختصاص القانوني، إنَّما يشكلون روابط من التخصصات المتنوعة التي تستند عليها الدولة في العديد من الجوانب، ولا يتصور أن يلّموا بجميع التشريعات المتعلقة بمؤسساتهم التي يشغلونها، إضافة إلى التشريعات التي تُلامس حياتهم اليومية ونشاطاتهم المعتادة والظروف المصاحبة.

من هنا ينبثق القول حقًا إن "التعليم هو الكلمة الأولى والأخيرة في ملحمة التنمية"، وإن كانت التشريعات تهدف إلى مواكبة المجتمع لكافة الظواهر المتجددة بطريقة تلائم أولوياته الوطنية نحو تنمية مستدامة في ظل رؤية عُمان 2040، فإن المضي نحو هذا التلاؤم يستدعي المعرفة ولو بصورة عامة عن أبسط الحقوق والواجبات التي ينبغي أن يتحلى بها المواطن، فإن كان هناك قياسٌ لمعرفة رقيّ المجتمع؛ سيكون هذا المقياس هو مدى إدراك شعبه لحقوقه وواجباته، فضلًا عن استعداده للوفاء بهذه الواجبات على أكمل وجه، ومن الممكن أن يتحقق ذلك عن طريق تفعيل أداة "التعليم" في المناهج الدراسية؛ سواءً في مرحلة الدبلوم العام أو مرحلة التعليم العالي أو كلاهما، وذلك عبر إضافة أو استحداث مقرر كالدراسات القانونية أو الثقافات الحياتية الفقهية القانونية التي تهدف إلى تثقيف الطالب بهذه الزوايا المهمة والتكميلية لمختلف الميول والتخصصات، وذلك وفق استراتيجية صحيحة يُمكن استنباطها من تجارب الدول التي سبق وأن طبقت هذه الفكرة، ولا بأس إن كان هناك من يباشر هذا التطبيق قبل غيره، لضمان ثماره ونجاحه.

في الختام.. إنَّ المناهج التعليمية في السلطنة ينبغي أن تحط عنايتها حول إرساء وتطوير عنايتها حول ما يسعف توجهها وفق الأولويات الوطنية في ظل رؤية "عُمان 2040"؛ فالغايات التي تسعى لها الشعوب من التعليم ينبغي أن تلامس كافة التوجهات الاستراتيجية التي تهدف إلى تشجيع الناس للقيام بأعمال مفيدة لهم ولمحيطهم ولوطنهم، وذلك وفق منظور حديث وهيكلة تشريعية قانونية متينة ومدروسة، فضلًا عن ضمان تأكيدها على المصالح العامة للدولة والشعب وأثرها في تطوره، ونسأل الله العلي القدير أن يوفق غاليتنا سلطنة عُمان حول المضي باتجاه التنمية المستدامة التي تحقق نجاحاتها وطموحات شعبها، تحت قيادة كريمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.

** محاضرة بكلية الزهراء للبنات- محامية ومستشارة قانونية

تعليق عبر الفيس بوك