خوذة آبل وميتا.. الواقع أصبح خيالًا

مؤيد الزعبي **

كشفت شركة «آبل» في مؤتمرها السنوي العالمي للمطورين "WWDC" قبل أيام عن أول خوذة من إنتاجها للواقع المختلط الذي يمزج الواقعين الافتراضي والمعزز أطلق عليها "فيجين برو" ما يمكن اعتباره أفضل منتجات آبل من سنين، وواحد من أهم المنتجات الثورية في عالم التقنية، وبالطبع لن أتناول الموضوع من الناحية التقنية وما يخص المواصفات فهذا أمر يمكن تناوله هناك في صفحات الأخبار، ولكن ما أود استعراضه معك عزيزي القارئ كيف لتقنيات مثل هذه أن تُغير حياتنا بالكامل، وما الذي سيحدث في قادم السنوات.

مُنذُ سنوات ونحن نتحدث عن تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي وتطبيقاتها في حياتنا اليومية ودخولها العديد من المجالات أهمها التعليم والطب والسياحة، ولكن كل ما سبق كان مجرد توقعات وتحليلات ولكن خلال الفترة الماضية تطور الأمر ليصبح تقنية ملموسة وموجهة لعامة الناس، فقبل إعلان آبل عن خوذتها "فيجين برو" بأيام قليلة أطلق رئيس مجموعة "ميتا" مارك زاكربرج خوذته "كويست 3"، وقال إنها أول خوذة موجهة للعامة مع واقع مختلط، ودعونا نركز عن مسألة الواقع المختلط والحديث عن خلط بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي أو الخلط بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز في آنٍ واحدٍ، وهذا ما سيُبنى عليه الكثير من التطورات القادمة، وسنستخدمها لنكتب رسائلنا ومحادثاتنا ونتصفح من خلالها وسائل التواصل أو مواقع الإنترنت ونجري مكالماتنا بالصوت والصورة، وأكثر بكثير مما تتخيله حتى هذه اللحظة.

عندما نتحدث عن خوذة واقع افتراضي مزودة بشاشات عالية الدقة ومزودة بنظام صوتي عالي الجودة ويتم التحكم بها عن طريق العين أو الأوامر الصوتية ويتم ربطها بهواتفنا وتطبيقاتنا وحتى منصاتنا الرقمية ووسائل التواصل فالحديث هنا ليس عن تقنية سيتم استخدامها في مجالات معينة؛ بل هي تقنية سيُبنى عليها شكل حياتنا القادمة، وسيصبح ما كنَّا نراه في أفلام الخيال العلمي بأننا جميعًا نعيش في عالم مختلف عن شكله في الواقع حقيقة نعيشها ونستخدمها يوميًا.

تخيل معي عزيزي القارئ خوذة تلبسها فتجعلك تعيش واقعًا جديدًا تخلط لك واقعك بتفاصيله من مكان عملك ومنزلك وحتى سريرك بواقع معزز تحول مكتبك لحديقة أو غابة استوائية وأنت تجلس وسط الأشجار تمارس عملك وتسمع لأصوات الطيور، وفي الاستراحة تذهب لتناول طعامك في أحد أفخم المطاعم (وأنت جالس مكانك- افتراضيًا) وستلتقي بعائلتك تجلس معك على الطاولة، وعندما ينتهي يوم عملك تركب سيارتك التي تحولت لسيارة فضائية كل ما فيها تحول لألوان وأشكال مختلفة، وعندما تدخل بيتك تجده كما تحب أن يكون بتفاصيل وأشكال أنت من اخترتها بنفسك، وعلى هذا المنوال أكمل يومك وحياتك بأكملها وبجميع تفاصيلها.

مع تقنيات مثل هذه لن تضطر أن تتقاتل مع زوجتك على طبيعة أثاث بيتك فأنت تُحب المودرن وهي تحب الكلاسيكي ففي عالمك تجعل أثاثك كما تحب وفي عالمها تختار هي ما تُحب، وإذا أزلت نظارتك أو خوذتك ربما تجد كل الأثاث من حولك باللون الأبيض وبسيط لدرجة ستقول حينها ما هذا؟ وبسرعة ستعيد الخوذة على رأسك وتعود لحياتك التي أحببتها.

عندما نتحدث عن إتاحة تقنيات الواقع الافتراضي أو المعزز للناس فنحن نتحدث عن تغيير جذري في حياتنا اليومية، فلا داعي أن نمتلك شاشات تلفزيون عملاقة ونحن بإمكاننا أن نشعر كما لو أننا أمام أكبر شاشة عرض في العالم من خلال عدستين أو شاشتين لا يتجاوز حجمهما حجم عينيك، ولا داعي أيضًا أن نمتلك أجهزة للترفيه والألعاب طالما بإمكاننا اللعب والتمتع من خلال هذه الأجهزة، وعندما تتطور الأمور سيصبح بإمكاننا أن نمتلك أفخم بيانو في منزلنا ونراه يتوسط الصالة، وبقليل من التدريب ستصبح أنت أمهر عازف وتحول بيتك لقصر أنت أميره.

لو تخيلنا شكل شوارعنا ومدننا سنجدها أيضًا مغايرة ففي الواقع المعزز ستجد الشوارع أنيقة وملونة ومزينة، وستجدها تتفاعل معك وترشدك إلى طريقك، ولا تتعجب لو وجدها تلقي التحية عليك أو أن تجد مكتوبًا على أحد أكبر لوحات الإعلانات رسالة تهنئة خاصة بعيد ميلادك أو أن تتحول اللوحات الإعلانية أمامك للوحات تنبيهات وتذكير بمواعيدك، وستجد المدينة من حولك كما لو أنها مخطط هندسي ثلاثي الأبعاد أو حتى بيئة فضائية مستقبلية فهكذا تم تصميمها لتجعلك تعيشها.

في كل مرة تقدم لنا شركة تقنية جهازًا جديدًا في عالم الواقع الافتراضي، تذكر معي عزيزي القارئ أننا مقدمون على حياة جديدة ستلازمنا فيها نظاراتنا أو خوذتنا أو حتى عدساتنا في قادم الوقت؛ لنشاهد عالمًا يختلف كثيرًا عن الواقع الذي نعيش فيه في الوقت الحالي، والأيام بيننا فربما نجدك تطالع هذه المقالة وتقول لقد تنبأ كاتبها وأقول لك إننا في زمن التطور فيه بات أسرع من التنبؤ.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط