"حوار شانغريلا" والأمن في بحر الصين الجنوبي

تشو شيوان **

انعقدت قبل أيام الدورة الـ 19 من "قمة الأمن الآسيوي" أو ما يُعرف بـ"حوار شانغريلا" الدفاعي في سنغافورة بمشاركة حوالي 40 دولة من بينها الولايات المتحدة والصين، والعديد من الدول الأوروبية والآسيوية، وتهدف اجتماعات القمة إلى تعزيز السلام والتنمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ونظرًا لأن الاجتماع تشارك فيه الصين والولايات المتحدة فقد اصطبغ المشهد بطابع خاص، وطال الحديث عن العلاقات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة. وفي هذا الطرح سوف أحاول أن أضع النقاط على الحروف حول كل ما يخص حوار شانغريلا، يما يوضح وجهة نظر الصين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، خصوصًا وأن الحوار أن شهد اجتماعًا يُعد هو الأول وجهًا لوجه بين وزيري دفاع الولايات المتحدة الأمريكية والصين؛ الأمر الذي يقرب المسافات ويحث على المزيد من التفاهمات.

في كل مناسبة سياسية أو أمنية أو حتى عسكرية تؤكد الصين أن "مبدأ الصين الواحدة" هو حجر الزاوية للعلاقات بين بكين وواشنطن، وطالما تتعمد الولايات المتحدة اللعب بورقة تايوان واستغلالها ضد الصين وبيع الأسلحة للجزيرة، فكل هذا يقوِّض أي تقدم في تحسين العلاقات بين البلدين، والصين لا تطالب الولايات المتحدة إلا بحقوقها المشروعة في صيانة مبدأ الصين الواحدة وعدم العبث بهذه الزاوية التي تجد فيها الصين كل خطوطها الحمراء.

ربما تكون الأوضاع الأمنية في بحر الصين الجنوبي هي القضية الأهم بالنسبة للدول الآسيوية، وكثيرًا ما بتنا نسمع أخبارًا وتقارير حول بحر الصين الجنوبي والتوترات هناك، ولكن هل تساءلنا يومًا من الذي يخلق هذه التوترات؟ هل الصين من تخلق التوترات والبحر مسمى باسمها وعلى حدودها البحرية أم أن الولايات المتحدة هي من يخلق هذه التوترات بإرسالها السفن والطائرات وإقامة ما يسمى بعمليات حرية الملاحة، وهي من تكثف تواجدها في المنطقة وتقيم حوارات ومناقشات وتدريبات في بحر الصين الجنوبي؟ مع كل هذا من الذي يخلق التوترات؟ الإجابة واضحة من يقطع آلاف الأميال ويحرك أسطوله البحري في بحر الصين الجنوبي هو من يخلق التوترات، وليست الصين التي تمارس حقوقها في حفظ حدودها البحرية وتقوم بتدريباتها ومناوراتها ضمن نطاق سيطرتها على البر والبحر.

بحر الصين الجنوبي ليس مكانًا لاستعراض القوة ولا لحشدها، وهذا ما تجده الصين مناسبًا ومتوافقًا مع مبادراتها الأمنية العالمية، ولطالما كانت الصين تمارس نشاطها في بحر الصين الجنوبي دون أية مشكلة، ولكن ما إن دخلت الولايات المتحدة على الخط حتى حاولت زعزعة الأمن والاستقرار هناك، وحاولت أيضًا حشد جهودها السياسية في محاولة لتصوير الصين بصورة مغلوطة أمام الدول المجاورة والواقعة على حدود بحر الصين الجنوبي؛ مما زاد التوترات هناك وجعلها منطقة ساخنة وساحة للحرب سياسيًا وإعلاميًا وعسكريًا، إذا اعتبرنا التدريبات والمناورات العسكرية هي جزء من حرب عسكرية يتم الاستعداد لها أو رسم خطتها.

من وجهة نظر الصين هناك تشويه لصورتها ولمساعيها في هذه المنطقة، والصين أكدت في العديد من المناسبات التزامها بحفظ الأمن والاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي وفي غيرها من المناطق، وبالعودة لحوار شانغريلا، فقد أكدت الصين أيضًا خلال الحوار أن أهدافها سلمية في جميع بقاع العالم، وأن لديها مبادرة عالمية للأمن التي تدعو لتبني مبدأ العمل المشترك من أجل الأمن العالمي، ولكن للأسف هناك من يصور الصين بأنها من تخلق التوتر في حين أنه هو من يخلقه ويدعمه ويستغله ويمرر أجنداته من خلاله.

في النهاية حوار شانغريلا ليس سوى فرصة لتبادل وجهات النظر في العديد من الأمور والقضايا الأمنية وقد حصل، ولكن أن تنتهي التوترات بين ليلة وضحاها فهذا أمر مستحيل؛ فالأمر يتطلب المزيد من اللقاءات والتنسيقات والصين دائمًا ما سترحب بالحوار وتقريب وجهات النظر، وعلى الأطراف المقابلة أن تطرق الأبواب وستجد بأن الصين منفتحة على جميع الحلول، بدلًا من الاعتمار على وجهة نظر الولايات المتحدة التي تتعمد تصعيد الأمور وخلق التوترات.

وحتى يسود الأمن والاستقرار، فعلى جميع الدول أن تذهب مباشرة للصين لتسوية الخلافات بعيدًا عن تدخل الولايات المتحدة؛ فالصين لا تريد إلّا ما يحفظ حقوقها وسيطرتها على أراضيها وهذا لا يشكل أي تهديد لأي دولة في العالم كما تصوره الولايات المتحدة، بينما من يقوِّض الأمن هو من يحرك جيوشه وعتاده شرقًا وغربًا ليخلق التوترات.

أتمنى أن تكون الصورة قد وضحت أكثر وأكثر!

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية