هل حقوقهم محفوظة بعد تطوير السوق المركزي بصلالة؟

 

د. عبدالله باحجاج

طرحت بلدية ظفار مزايدةً لتطوير السوق المركزي بصلالة، وينتابُ تجار السوق قلق على مستقبلهم بعد التطوير، وهو قلق قد كتبنا عنه سابقًا، ونجدد الكتابة عنه الآن بعد إرساء المزايدة على إحدى الشركات، والتقى بنا نساء وشباب يعملون في السوق منذ إنشائه عام 1979 في مسيرة متوارثة عن الآباء، وأعدادهم ليست قليلة.

والتساؤل البديهي الذي نطرحه: هل حقوقهم محفوظة بعد التطوير؟ نُسلِّم بأهمية التطوير، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب حقوق كل مواطن يعمل بنفسه داخل السوق، ويعتمد في رزقه عليه، هناك فعلًا وافدون وبكثرة، في المقابل هناك مواطنون يستوجب من بلدية ظفار حمايتهم، وعدم البحث عن مسوغات قانونية مثل "انتهاء العقد" بهدف حرمانهم من الاستمرارية في السوق بعد التطوير، فهم مواطنون، وتاريخهم الشخصي والأسري في السوق يُعطيهم الحق لأن تكون الأولوية لهم.

الرحمة هنا واجبة، وأساس الوطنية في بلادنا، وهنا أرزاق مواطنين داخل وطنهم، فلا تكونوا سببًا مُحتملًا في قطع الأرزاق، وما حدث في مسقط مع أصحاب عربات الشواء في "شارع الموج" خير مثال، فقد شهدنا مقاطع فيديو تُظهر دموعاً تُذرف في وضح النهار، في مشهد هزّ الوطنية في عمقها. نعم الكل مع التنظيم والتطوير، لكن مع الحفاظ على أرزاق المواطنين، وإذا كنتم تحت ضغوط الجبايات رغم الفائض المالي للدولة، فليس بهذه الطريقة الحادة التي تؤثر بشدة على مشاعر وعواطف الوطنية، وتبعثون برسائل سلبية للخارج عن بلادنا، فصرخات بعض المواطنين من سياسات وقرارات تتخذها كل جهة حكومية بمعزل عن الأخرى، تُفسَّر من الخارج عن شأننا الداخلي، وتُظهرنا في صورة تُبنى عليها أحكام وتُتخذ على إثرها سياسات.

أين الحكمة من قرار بلدية مسقط بشأن عربات الشواء بعد ما تراجعت تحت ضغوط كبيرة؟ فلماذا لا يكون التقدير والاعتبار منذ البداية؟ لأنَّ هنا منطقة أرزاق لمواطنين داخل وطنهم، وأية عملية تطوير فوق مثل هذا الواقع الاجتماعي ينبغي أن يؤخذ به أولًا، ومن ثم الشروع في التطوير، لأن الهدم هنا يكون بمثابة عملية راديكالية مليئة بالآلام الإنسانية والاجتماعية، وهي ما عبرت عنه دموع وصرخات المتضررين، مما يصبح يقينا بالعدول عن القرارات، وهذا ما حدث فعلًا مع أصحاب عربات الشواء، كما كشفه سعادة هلال الصارمي ممثل ولاية السيب في مجلس الشورى.

وكل من يلتقي بنساء سوق صلالة المركزي، وهنَّ من مجتمعنا المحلي، ويقف على قلقهن من فقدان رزقهن، يقع عليه لزامًا أن يتعاطف معهن. فهُنَّ ومعهن شباب ورثوا محالِّهم من آبائهم الذين انتقلوا من سوق الحصن للسوق المركزي بصلالة، عندما قررت السلطات المحلية- آنذاك- إقامة سوق مركزي جديد يستوعب الحركة التجارية المتصاعدة، وأصبح هذه السوق من بين أهم معالم ولاية صلالة. وكل زائر لظفار من داخل البلاد وخارجها، يجد نفسه في السوق يوميًا، لعدة عوامل جذب أساسية، أبرزها: وجود الأسماك الطازجة والمجففة واللحوم المحلية الطازجة (من البقر والإبل) والخضراوات والفواكه والحلويات والتمور المحلية والملابس الظفارية، ومطاعم شوي الأسماك. وكذلك عبق الماضي ونكهته الحضارية التي نجدها في النساء الظفاريات- من كبار السن- وهن يفترشن الأرض لبيع مأكولات شعبية كاللخام والمسيبلي والصبار والمقلوت، والمجامر، وهي مسميات محلية، علاوة على منتجات أخرى تشتهر بها ظفار مثل اللُبان... إلخ.

كما إنّ السوق يضم حلقة المزايدة للمقتنيات الشخصية المستعملة؛ كالمصرات والكوافي التي تستقطب الزيارات الخاصة لذاتها، ولزائري كل السوق، وهي تتوسط السوق قرب مكان بيع اللحوم الطازجة.

لذلك.. فإن أي عملية تطوير لهذا السوق ينبغي أن تراعي حقوق المواطنين فيه، وكذلك مفاصله المميزة التي تضفي عليه عبق الماضي، وتمنحه خصوصية التفرد والاستثنائية، كالنساء البائعات وصيغة افتراشهن الأرض بعد تطويرها، وحلقة المزايدات.. إلخ. قلنا عنها في مقال سابق إن تلكم النماذج هي بمثابة الروح التي تكسب الحداثة والمعاصرة هويتها الاجتماعية، وهي ليست الوحيدة في العنصر النسائي، وإن كانت أهمها، وكل من يفكر في خصخصة السوق المركزي بصلالة، أو تطويره، عليه لزامًا أن يُحافظ على مصدر دخل المواطنين فيه- رجالًا ونساء- وكذلك ديمومة نكهته وخصوصيته التي لن نجدها إلّا في هذا السوق فقط. لذا ندعو بلدية ظفار إلى طمأنة تجار السوق على مستقبل رزقهم فيه بعد التطوير، فقد قِيل لهم كلامًا رسميًا- نقلا عنهم- يُبرر قلقهم فعلًا.

هل كان ينبغي هدم السوق ومن ثم إعادة بنائه مجددًا؟ صحيح أن السوق قديم، وقد أُدخل عليه إصلاحات كثيرة، لكن، لماذا لا يتم الإبقاء عليه، وإقامة سوق عصري في منطقة أخرى، كالسعادة أو صحلنوت مثلًا، لعدة اعتبارات مهمة، أبرزها:

- تخفيف الضغط على منطقة السوق المركزي المكتظة بالأنشطة التجارية والمالية والسكنية، والكل يعاني من هذه الضغوط، وفي فصل الخريف حدِّث ولا حرج عن الازدحام المروري. لذا فإنَّ إقامة سوق مركزي جديد بالمواصفات التي اطلعنا عليها، سيزيد من الضغوط بصورة كبيرة.

- إقامة سوق مركزي جديد في السعادة وصلحنوت سيخلق فرص عمل جديدة، إضافة لفرص العمل الموجودة داخل السوق المركزي القديم بصلالة، فحسب تقديرات تجار هذا السوق، فهي تُقدَّر بالمئات، فكيف إذا ما تم إنشاء سوق جديد وعصري؟ فهذا سينتج المئات من فرص العمل للشباب ولمن يسعى لتحسين دخله من المتقاعدين.

- توزيع الخدمات داخل ولاية صلالة عوضًا عن تركيزها داخل منطقة محدودة.

تظل القضية العاجلة الآن في الحفاظ على مصدر دخل كل عماني وعمانية في سوق صلالة المركزي بعد التطوير انطلاقًا من تاريخهم الأُسري فيه، ولأنَّ لهم الأولوية لأسبقيتهم فيه، كما إن فرص العمل في السوق بعد التطوير ستكون في حدود 600 فرصة، حسب تقديرات تجار في السوق، فلتسعى البلدية إلى ضمان أن يشغلها أبناء الوطن، حتى لا تتكرر التجارة المستترة.