مذيع الأخبار.. الذكاء الاصطناعي يقول لك وداعًا

 

مؤيد الزعبي **

من أكثر المهن التي يهددها الذكاء الاصطناعي مهنة مذيع الأخبار؛ فمذيع الأخبار المُوَلَّد بواسطة الذكاء الاصطناعي يقول لمذيع الأخبار الإنسان وداعًا هذا مكاني، وهذه شاشتي، وهذه أخباري، وقريبًا سوف أولدها وأكتبها وأحررها وأذيعها صوتًا وصورة وانشرها نصًا وانفوجرافيك وبقوالب لم تتخيلها بعد، عزيزي مذيع الأخبار لا أريد أن يكون هذا الطرح سببًا في انزعاجك ولكن اعتبره تهديدًا لتُعيد التفكير في كيفية إعادة تدوير مهاراتك وإبداعاتك بعيدًا عن نشرات الأخبار.

انتشرت قبل فترة أخبار عن بدء استخدام مذيعين الأخبار الافتراضيين في منطقتنا العربية وتحديدًا في دولة الكويت؛ حيث بدأت وكالة أنباء الكويت باستخدام الذكاء الاصطناعي "أفاتار" يدعى عبدالله العصيمي في نشراتها الإخبارية، وأيضًا أعلنت صحيفة "كويت نيوز" عن مذيعتها الافتراضية "فضة" والتي أثارت جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض أو مستهجن لما يحدث في عالمنا وغزو الذكاء الاصطناعي له. لكن يجب أن تعرف- عزيزي القارئ- أننا ما زلنا في البداية، وقريبًا ستشاهد نشرات أخبار في قنوات كثيرة يقدمها مذيعو الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي هو الذي ولَّدَهُم وشكَّلهم وصنع أصواتهم وحركاتهم وإيماءاتهم، وحتى تفاعلهم مع الأخبار وصعودهم ونزولهم في حدة الصوت وطبقاته تماشيًا مع الأخبار التي يقرؤونها أو يقدمونها.

قد يكون الأمر قاسيًا فعلًا على مذيعي الأخبار أن يجدوا مذيعين افتراضيين يقدمون نشرات الأخبار بدلًا منهم، وقد يكون قاسيًا بشكل أكبر أن نفقد أسماءً إعلامية لها مكانتها ولها حضورها وسط دخول تقنيات ثورية لا تعترف أبدًا بالمشوار الإعلامي ولا بالخبرات ولا حتى بالحضور وبالأسلوب، فكل هذا مُمكنًا طالما استطعنا برمجته بالطريقة التي تضمن لنا وجود مذيع أخبار افتراضي فيه كل المواصفات المطلوبة.

منذ بداية ظهور تقنيات محاكات الفيديو وظهور ما يعرف بالمذيع الروبوت في إحدى القنوات الصينية، وأنا مؤمن بأن المستقبل لن يتوقف عند هذا الحد؛ فتقنيات الذكاء الاصطناعي تحب وتعشق أي عمل فيه تكرار أو نظام أو طريقة عمل محددة، وبما أن مذيعي الأخبار وبعيدًا عن كونهم أشخاص أصحاب كفاءة وموهبة وصوت وحضور إلا أن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يقوم بكل هذا، بل يستطيع أن يقوم بما هو أكثر من هذا، يستطيع أن يجد متلازمة ترافق المذيعين ليكون لهم أسلوبهم الخاص، وربما يستنبطون من أساليب أكثر المذيعين شهرة ومهارة ليجدوا لنا مذيع "سوبر احترافي"، وربما يتم تدريبهم ليكونوا مثقفين وأصحاب رأي بأمور أو علوم أو حتى قوانين وسياسات قد لا يستطيع المذيع البشري أن يجمع كل هذه المعلومات، ولكن بما أن الذكاء الاصطناعي لديه هذه الميزة فسيجد لنا قريبًا مذيعًا علَّامة في أمور الرياضة ومثله في عالم السيارات وأخر في الأمور الحربية أو السياسية أو الاقتصادية، وحينها لن نجد مذيعًا يقرأ نشرات الأخبار بل مذيعًا يحلل ويستنتج ويربط الأحداث، ولن أقول لك بأنني سوف أستغرب بأن أجد مذيع ذكاء اصطناعي يحاور ضيف مولد بالذكاء الاصطناعي ويتناقشون فيما بينهم حول أمرًا أو قضية معينة.

دخول الذكاء الاصطناعي في جميع الوظائف، بما فيها الإبداعية منها، لن يتأخر طويلًا، فكما شاهدناه رسامًا محترفًا ومصممًا عبقريًا أو موسيقيًا مبدعًا سنجده مذيعًا للأخبار محترفًا ومتقنًا لصنعته وحرفته، وإذا أردنا التفكير في الأمر من صورة إيجابية سنقول بأننا أمام ثورة يمكننا أن نجعلها بديلًا عنا، ولو كنت مذيعًا للأخبار لحاولت جاهدًا أن أجد من يحاكي أسلوبي وطريقتي وحتى شكلي وتفاصيلي وسوف أعرض خدماتي هذه على مكان عملي بنصف الراتب الذي أتقاضاه وحينها سيكون لدي نصف راتب دون أن أعمل، ولو اجتهدت قليلًا ووظفت نفسي الافتراضي في عدة جهات إعلامية "إن نجحت في ذلك" سيكون لدي من يعمل بدلًا عني كما لو كنت أنا "فرنشايز" أبيع حق الامتياز لأسلوبي وطريقتي وشكلي لعدة كيانات إعلامية أتحدث باسمها وأذيع أخبارها وأحاور ضيوفها وأقرأ نشراتها وأعلن عن منتجاتها.

مذيعو الأخبار كغيرهم من أصحاب الوظائف التي يهددها الذكاء الاصطناعي، ومهما كانت وظيفتك إبداعية سيتعلمها الذكاء الاصطناعي ويتقنها في قادم الأيام، فالأمر لم يعد مسألة التفكير في نوعية الوظائف التي سيحل محلها الذكاء الاصطناعي فهذا تفكير ليس سليماً في هذه الأيام، التفكير في كيفية استغلال هذه الثورة في تطوير أعمالنا ووظائفنا أو حتى استبدالها.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط