السلطان هيثم.. صانع السلام في الشرق الأوسط

 

 

د. حميد بن مسلم السعيدي

 

جاء الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- مع بداية توليه مقاليد الحكم، تأكيدًا على العلاقات العُمانية والسير قُدمًا نحو الحفاظ على الأمن والاستقرار العالمي: "... فإننا سوف نترسّم خطى السلطان الراحل، مؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول، وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، كما سنبقى كما عهدنا العالم في عهد المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية وباذلين الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم".

لقد أكد جلالته- أبقاه الله- على خارطة السياسة الخارجية العُمانية والسير بذات المنهجية التي رسمها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- متخذًا من التاريخ العُماني ومن المكانة العُمانية التي وصلت إليها بين جميع دول العالم، أسس بناء الدولة الحديثة، لذا كان أحد الأهداف التي سعى إليها السلطان هيثم بن طارق هي إعادة ترسيخ قيم ومبادئ السلام في منطقة الشرق الأوسط والعمل مع الدول الصديقة على تقريب الرؤى والتوجهات السياسية، وسد الثغرات والاختلافات والعمل معالجتها، منطلقًا من الإرث الحضاري العُماني في منطقة الشرق الأوسط، القوة الأساسية الداعمة له في سعيه نحو معالجة التحديات التي تواجهها المنطقة؛ إذ إنَّ هذا التاريخ كان له تأثير مباشر على الاستقرار السياسي، نظير ما تمتلكه من خبرات قيادية وعلاقات إستراتيجية مع جميع الدول؛ فالمنظومة السياسية العُمانية الثابتة والتي لم تتغير رغم كل الإشكاليات التي حدثت في منطقة، مما منحتها الثقة من قبل الجميع فأصبحت مسقط بوابة الباحثين عن السلام.

ومنطقة الخليج العربي تُعد من أهم المناطق الاستراتيجية على مستوى العالم، نظرًا لما تمتلكه من مقومات جغرافية وسياسية وموارد اقتصادية خاصة النفط والغاز؛ جعلتها منطقة أطماع من القوى العالمية منذ القرن السادس عشر الميلادي وزادت هذه الأطماع مع اكتشافات النفط في منتصف القرن العشرين، لذا شهدت العديد من الصراعات ما بين الاستعمار الخارجي من القوى العالمية إلى الحروب الداخلية بين دول المنطقة، فأثر ذلك على الحياة الاقتصادية وعلى الأمن والاستقرار، فاستنزفت خيرات هذه الدول في صراعات لا جدوى منها سوى خسارة الموارد الطبيعية والبشرية، فكان لابد أن تكون للحكمة السياسة حاضرة طوال تلك الفترة وفي العصر الحديث. لكن عُمان حافظت على مر العصور التاريخية على هذا الدور الحيادي، مما جعل الجميع يتجه إلى مسقط لثقتهم الكبيرة في تغييب المصالح الخاصة لدى الحكومة العُمانية والتزامها بالدور الذي تقوم به في تقريب وجهات النظر وحل الإشكاليات السياسية بين الدول.

حُكّام القوى العظمى ودول المنطقة يثقون في عُمان وسلطانها، ويدركون مدى قدرة السياسية الخارجية العُمانية على إدارة الأزمات السياسية والعمل على مُعالجتها، وفق منظور حيادي ثابت يدرك حقيقة وأهمية الحفاظ على هذا الكيان المستقر في المنطقة؛ إذ إن الحكومة العُمانية جعلت أهدافها السامية ورؤيتها الحديثة للتعايش السلمي لجميع شعوب العالم، والتأكيد على أواصر الصداقة مع الجميع، مدركين أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال تغييب المصالح الشخصية، من على طاولة الحوار السياسي.

واستمرارًا لهذا النهج الذي أصبح السمة البارزة في السياسة الخارجية العُمانية، يواصل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- تحقيق الإنجازات السياسية على مستوى المنطقة، مما منحه صفة صانع السلام في العصر الحديث؛ إذ عمل منذ بداية حكمه- أيده الله- على استمرار الدور العُماني في المنطقة، فعمل على معالجة العديد من الإشكاليات داخل البيت العربي، وساهم في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، كما لعب دورًا مؤثرًا في العلاقات بين الدول الخليجية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب العديد من الجهود السياسية التي تبذل في مسار العلاقات الدولية مع القوى العظمى، فرمزية العمامة العُمانية البيضاء هي رمزية السلام والتسامح ونشر مظلة الأمن والاستقرار في المنطقة، والحفاظ على الروابط الثوابت السياسية بين الدول.

ولا شك أن منهجية السلام من النظم السياسية التي لا تُديرها إلا الحكمة، وتبتعد عن المصالح ذات الأبعاد السياسية القريبة أو الأهداف القصيرة التي لا يُمكن أن تكون حاضرة في النظم السياسية التي ترى أن المستقبل يكمُن في مصالح الشعوب، وتمتعها بالاستقرار السياسي والأمن الداخلي والحفاظ على حقها في الحياة الكريمة، وهذا ما تريده الشعوب من الأنظمة السياسية في المنطقة، وهو بكل تأكيد هدف كل القادة في منطقة الشرق الأوسط.

إنَّ كل هذا الاهتمام ينبُع من الأهمية العظمى للسلام والاستقرار؛ حيث يُعد وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي، وبناء العلاقات بين الشعوب، وتوفير الحياة الكريمة للإنسان، كما يُسهم السلام في تطور الحياة البشرية، ويساعد على القضاء على الخلافات والصراعات التي تهدد الحياة بصورة عامة، وتنتهك حقوق الإنسان، إلى جانب دور السلام في تحقيق التقارب بين الحضارات، وبناء العلاقات الثقافية وانتشار القيم والاتجاهات الفاضلة.. ونظرًا لأهمية السلام، فقد احتل مكانة بارزة وموقع الأولوية في أهداف جلالته- نصره الله- مع السعي المستمر لتحقيق التعايش السلمي بين جميع شعوب العالم.