عندما يلتقي التزييف العميق والذكاء الاصطناعي.. كذِّب ما تراه عينك

 

مؤيد الزعبي

انتشرت صور زائفة تُظهر انفجارًا بالقرب من مبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" يوم الإثنين الفائت، مما تسبب في حدوث ارتباك وانخفاض مُؤقت في سوق الأسهم الأمريكية، مما استدعى البنتاجون لأن توضح أن الصورة زائفة وتم تزييفها بواسطة الذكاء الاصطناعي بدقة وحرفية عالية.

هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحدث، وهذا يأخذنا لتساؤل كبير؛ كيف سنتعامل كأشخاص ومؤسسات وشركات وحتى وزارات مع مثل هذه الأمور، وكيف سنستطيع مواجهة ما يُعرف بالتزييف العميق "Deepfakes"، وماذا لو وجدت صورتك أو فيدو لك وأنت في وضع مُخل أو مرتكباً لجريمة مثلًا منتشر عبر الشبكة لكنه لست أنت؟، كيف ستقنع العالم بأنَّه لست أنت وكل ما بالصورة أو الفيديو يقول بأنه أنت؟

أتذكر أنَّه قبل أشهر انتشرت صورة مزيفة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والشرطة تقبض عليه، وكانت الصورة حقيقية ومُتقنة لدرجة أن تعابير دونالد ترامب تتناسب مع الوضع الذي هو فيه حسب شخصيته وأنماط تصرفاته الطبيعية. وما يجعل الأمر مخيفًا أن الإتقان في التزييف يأخذ منحنيًا متصاعدًا يومًا بعد يوم، ودرجة الإتقان وصلت لدرجة تستطيع فيها أن تُكذب نفسك لو وجدت فيديو لشخصك أنت لقيت ربما مشيت وأنا نائم قبل أن تُفكر بأنَّ الذكاء الاصطناعي قادر على خلق صور وفيديوهات متحركة وبجودة أنت تطلبها وفي بيئة أنت تريدها لأي شيء من حولك طالما توفر لديه بعض البيانات والصور السابقة وهذه ما أكثرها في عالمنا هناك في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من مواقع الإنترنت. والحديث هنا عن شخص عادي ربما يتم استغلاله لتشويه سمعته أو عمل مقلب أو مزحة بحقه أو حتى مطالبته بدفع مبالغ مقابل حذف هذه المواد، فما بالك عزيزي القارئ لو كان التزييف بحق رجالات دولة ووزراء ومسؤولين أو حتى حكام ورؤساء وأصحاب مناصب قيادية عُليا في هذا العالم، كيف سيكون حجم التأثير في مثل هذه المسائل.

تخيل معي عزيزي القارئ، أن نجد فيديو لرئيس دولة أو رئيس حكومة يُهدد دولة أخرى بشن حرب عليها مع وجود خلاف بين الدولتين أساسًا كيف سيؤزم مثل هذه التزييف الوضع، وصحيح أن الحقيقة سوف تظهر وسيتم تأكيد كل شيء من قبل السلطات المختصة. لكن ماذا لو تأخر هذا الرد أو لم يتم رصد الحالة بشكلها الصحيح قبل تسربها للإعلام ووسائل التواصل حينها ستكون السيطرة على الموقف صعبة جدًا، وهذا مثال بسيط وهناك الآلاف مما قد يحدث مستقبلًا.

لا شك أنَّ هناك جهات ومُؤسسات وخبراء متخصصين في كشف التزييف خصوصًا في الأجهزة الشرطية والأمنية وأجهزة الاستخبارات ولكن ماذا عن النَّاس البسطاء الذين يجهلون مثل هذه التقنيات وتطوراتها وإلى أي حد بات الأمر سهلًا، فإحدى المواقع الإلكترونية تتيح لك وضع أي صورة على فيديوهات محملة عليه بكبسة زر، وبعض التطبيقات والمواقع المدفوعة باتت تتيح للمستخدم العادي استخدام مثل هذه التقنيات وبأسعار رمزية مما يُمكن أي شخص من استغلال هذه التقنيات لإثارة المشاكل أو حتى المزاح مع أشخاص من محيطه، وحتى لو تم كشف التزييف سنعود أيضًا لمشكلة كبيرة تواجهنا وهي بكيفية بناء الثقة بعد انتشار مثل هذه الفيديوهات سواء على المستويات الحكومية أو الشركات أو المؤسسات عندما تتعرض لتشويه في صورتها وأعمالها وصولًا للثقة بين الأزواج والأصدقاء والمجتمع العادي.

طالما أن الذكاء الاصطناعي أوجد لنا المشكلة؛ فبالطبع سيجد لنا الحل، فهناك تقنيات ستساعدنا كثيرًا على كشف التزييف وسنستخدمها في التحقق من أخبارنا ومعلوماتنا وصورنا وفيديوهاتنا، وهذه التقنيات لا تقل أهمية عن تقنيات التزييف نفسها، لكن الفارق الزمني بين اكتشاف التزييف وكشفه هنا تكمن المشكلة الحقيقية، والمشكلة الأخرى أيضًا أن هناك من سيستغل هذا الأمر في تبرير تصرفاته وأعماله وتصريحاته وسيقول عند كل موقف بأن الذكاء الاصطناعي هو من قام بالتزييف والتلفيق، وهؤلاء الذكاء الاصطناعي سيُساعدنا على كشفهم وكشف لعبتهم.

تقنيات التزييف العميق تتطور بشكل لافت وقريبًا سوف تتحول لمشاريع تجارية سنجد منها ما هو مفيد وجيد وما هو سيئ، ولكي ننظر لنصف الكأس المليء تخيلوا حجم الإبداع الذي يمكن لهذه التكنولوجيا أن تضيفه لتجاربنا وأيضًا لحياتنا وها قد بدأنا بمشاهدة أعمال فنية وصور تحاكي رسومات أهم الفنانين يولدها الذكاء الاصطناعي إذن التزييف ليس كله سلبي، ولكن يبقى الجانب السيئ منه مشكلة تحتاج منَّا أن نجد حلولًا لها وإلى حينها أنصحك عزيزي القارئ بأن تُكذِّب كل ما تراه عينك.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط