"قمة الصين- آسيا الوسطى".. طريق جديد للعلاقات

 

تشو شيوان **

خلال الأيام الماضية، عُقدت الدورة الأولى من قمة "الصين- آسيا الوسطى" في مدينة شيآن شمال غربي الصين؛ مما جذب أنظار العالم حول هذه القمة، لا سيما وأن هذه أول مرة يجتمع فيها قادة الصين ودول آسيا الوسطى بشكل خاص لبحث توطيد الصداقة التاريخية وتعزيز العلاقات الثنائية، ويمكننا القول إن القمة سطّرت فصلًا جديدًا في بناء مجتمع مصير مشترك بين الصين ودول آسيا الوسطى.

وقبل أن نتحدث عن العلاقات المتميزة بين الصين ودول آسيا الوسطى، أودُ أن أعرِّفكم بسبب اختيار مدينة شيآن لاستضافة القمة؛ حيث إن مدينة شيآن تشانغآن في العصور القديمة كانت واحدة من أقدم المدن في الصين، وواحدة من العواصم الصينية القديمة المشهورة، وقد مثّلت مركزًا للعديد من السُلالات الحاكمة في الصين، بما في ذلك تشو الغربية، وتشين، وهان الغربية، وسوي، وتانغ، وغيرها من 13 سلالة ملكية في التاريخ الصيني. وكانت أيضًا نقطة الانطلاق على طريق الحرير القديم، وتربط التواصل التجاري بين الصين والدول الأخرى في آسيا وأوروبا وأفريقيا، بما فيها دول في آسيا الوسطى، وكان اختيار هذا المكان ذو دلالات ومدلولات تاريخية تُعزز من أواصر الترابط بين الصين ودول آسيا الوسطى، وترسل إشارات على متانة العلاقة بين الجانبين تاريخيًا ومستقبليًا.

مثّلت الكلمات الرئيسية للرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة، أول عرض شامل ومنهجي لسياسة الصين الخارجية تجاه آسيا الوسطى من قبل قيادة صينية في العصر الجديد، وشهدنا أثناء القمة التوقيع على 7 وثائق ثنائية ومتعددة الأطراف، إضافة إلى أكثر من 100 اتفاقية تعاون في شتى المجالات بين الصين ودول آسيا الوسطى الخمسة. والقمة أعطت قوة دفع جديدة لتعميق العلاقات بين الصين وآسيا الوسطى. وإضافة إلى ذلك، أعلنت الصين مع قرغيزستان وطاجيكستان على التوالي بناء مجتمع مصير مشترك على المستوى الثنائي، وهذه هي المرة الأولى التي تشهد تنفيذ رؤية "مجتمع مصير مشترك" بالكامل على المستويين متعدد الأطراف والثنائي في المنطقة، فخلقت القمة منصة جديدة لتوسيع التبادلات والتعاون في شتى المجالات بين الصين ودول آسيا الوسطى.

ونتوقع أن إنشاء عدد كبير من الآليات والمنصات الجديدة سيوفر حيزًا أكبر وضمانة أكثر فعالية لتوسيع التبادلات بين الصين وآسيا الوسطى على كل المستويات وتعميق التعاون الشامل. وقد فتحت القمة آفاقًا جديدة للتعاون متبادل المنفعة؛ حيث أعلن الرئيس شي عن سلسلة من مبادرات التعاون الرئيسية في القمة، كما وقعت الصين خلال القمة اتفاقية للإعفاء المتبادل من التأشيرة مع كازاخستان. وتم إطلاق "عام الثقافة والفنون" لشعوب الصين ودول آسيا الوسطى رسميًا، ومن المؤكد أن هذه المبادرات والإنجازات ضخَّت حيوية جديدة في تعزيز التعاون بين الصين وآسيا الوسطى.

وعلاوة على ذلك، أعتقدُ أن القمة ساهمت بقوة جديدة في دعم النزاهة والعدالة الدوليتين؛ حيث وافقت الصين ودول آسيا الوسطى بالإجماع على الدفاع بقوة عن التعددية ومقاومة الأحادية والهيمنة وسياسة القوة، ما يضخ مزيدًا من اليقين في عالم يعُج بالشكوك، وأرست القمة أيضًا نموذجًا جديدًا للوحدة وتعزيز الذات بين الدول النامية.

ولا تفوتنا الإشارة إلى أن العام الجاري يوافق الذكرى العاشرة لطرح مبادرة "الحزام والطريق"، وبناء "مجتمع مصير مشترك" للبشرية، ودول آسيا الوسطى من أوائل الدول التي تشارك في مبادرة الحزام والطريق، والتوصل إلى بناء مجتمع مصير مشترك أوثق بين الصين وآسيا الوسطى بمثابة أهم إنجاز سياسي لهذه القمة، والتي عُقدت في توقيت يتزامن مع الذكرى العاشرة لمبادرة الحزام والطريق؛ مما يمنح الصين ودول آسيا الوسطى بعضهمًا البعض دعمًا واضحًا وقويًا فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية مثل السيادة والأمن ومصالح التنمية.

في المستقبل، ستعمل الصين ودول آسيا الوسطى معًا على خلق نمط تعاون تكميلي على نحو عميق ومُربح للجميع بصورة كبيرة، إضافة إلى مواجهة التحديات الجديدة في المجالات التقليدية وغير التقليدية بشكل مشترك، وستعارض الصين بحزمٍ القوى الخارجية التي تقوِّض الحكومات الشرعية لدول آسيا الوسطى وتحرِّض على جولة جديدة من "الثورات المُلوَّنة"، وذلك من أجل تطبيق مبادرة الأمن العالمي سويًا لحماية الاستقرار والأمن في هذه المنطقة. ونقول إن تعاون الصين مع آسيا الوسطى لا يستهدف أي طرف ثالث، كما إنه لا يخضع لقيود أي طرف ثالث وليس "ناديًا حصريًا"، وأن التعاون يعارض سياسة التكتلات ومواجهات الحرب الباردة.

فضلًا عن ذلك، حقَّقت القمة نتائج أخرى؛ حيث ستقيم الصين ودول آسيا الوسطى على نحو نشط نمطًا متنوعًا وتفاعليًا من التبادلات الشعبية والثقافية.

وختامًا.. يمكننا القول إنَّ الصين ودول آسيا الوسطى تتمتع بمصالح اقتصادية وتجارية وثقافية وأمنية مشتركة، وذلك توريثٌ للصداقة التقليدية منذ العصور القديمة، وتعميقها نحو مستقبل مشرق من خلال الجهود المُنسَّقة لتحويل التوافق المُهم الذي توصَّل إليه رؤساء الدول أثناء القمة إلى إجراءات عملية؛ لتقديم مُساهمات حقيقية لشعوب الصين وآسيا الوسطى.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية