عائض الأحمد
فى لحظات يسكنها البرد وتعتليها خفقات القلب وكأنها تسمع من مسافات، فترتجف الأرض التي تحمله فيَجْثُو على قدميه متوسلا "ربي لن أفقدها مرتين"، مستحضرًا مُعاناته وذكريات مضت وهو يتوسد الجرداء ويناطح السماء بحديثه، وكأنَّ القمر بيمينه والشمس بيساره حتى أصبح حلمه حقيقة يتنفسها أكثر من أنفاسها ويحتضنها أكثر من ضلوعها ويسقيها الزلال قبل أن يذوقه.
إن أحسنت في عشرة من تحب وجانبك صواب الفعل، فاكتم غضبك وداري مشاعرك وألمك فالحياة زائلة لا محالة وبك وبغيرك ستستمر إن قتلتك فهو الآجل المحتوم وإن بقيت صالحا مستثنا فعهدك بالله لن يخيب، وصبرا إلى لقاء.
ليتني أستطيع أن أقبل مر الشكوى وأترحم على سويعات الصفاء دون أن أنثر الدم دموعا فاقت قدرتي وأضنت مقلتي وعصرت جسدي فغرقت أيما غرق.
لا أملك ياصديقي غير كلمات صدئة، أواسيك بها فأنت تعجزني وتكسر قلمي، وتلبسني ثوبك الضيق الذي لايستر ولا يحفظ شيئاً من جسدي فما عساي أقول وقد بلغت بك حد الأسى ونسيت صدى شكواك وذهبت أصفق كفاً بأخرى كيف لهذا الرجل أن يعيش وهو ينشد نهايته ومالي طاقة به وأنا لا أكاد أرفع أقدامي عن الأرض، تمنيت السماء تحفك برضاها وتعطيك بعضًا من قليلها فتسكنك روح الطاعة والقسمة، وتهبك لواهب لن يبخل بالنظر فيما حل بك، سهام الموت ترميك دون علة فيقبلها صدرك العاري تجردا، فَقُل لِّي ما عساك تفعل إن صابك كل هذا الأذى؟
يستطرد.. كيف بلغت الستين وأنا لم أبلغ الحلم بعد؟! تجاوزتني الأيام أم فقدت إحساس الأماكن والتقاء الأنفاس، تاهت خطواتي وكثرت عثراتي وتبددت المعالي فقصر العالي وكبر الرخيص وهاجت أمواج البحر فغرق المركب وابتلعته الأمواج، وبقي أقل مايذكر من حطامه في رمال شواطئ الضعف والانكسار.
صمت الذات يختبئ فيما تحدث به نفسك سرًا، وكأنَّ الدنيا تفيق على صراخك وأقربهم يتمنى لك الموت، لينجو من أثر الجرح ويدفن ماضيه ويدير ظهره هربًا، لم أعرفك يومًا هل تعلم لماذا؟ لأنك لم تكن ترى شيئا أبداً وحينما رأيته فاق قدرتك الضعيفة ونسف كل أيامك الخوالي.
هب أنها من هذه وتلك، وامسح عثرة محتشم أخطأ فزاده احتشاما ورقيا، خلقنا لنذنب ثم يغفر لنا فنذنب.. "من كان منّا بلا خطيئة فليرمها بحجر".
شيء من ذاته:
فردوس الجنة يعلوه العمل الصالح، وفردوسك ثمار يانعة وأوراق وارفة، تغطي مرقدي هذا إلى الأبد.
ختامًا: لن تصيبك الأشواك وأنت تنظر تحت قدميك، فما بال رأسك المرفوع وقدمك الحافي دون حذر، أو تظن بأن الدنيا جمعت لك في إنسان فقد خبت وخسرت، البعض لن يجمعه الكل، وإلا لكنا ملائكة تمشي على الأرض.
لم نأتِ لنبقى كل شيء لزوال، إلا أنت خلقت من حَنَايَا أوجاعي فصبرت حتى نلت منك، فما لبعادك من سبيل.